كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

نفس الباري تعالى إذا قلت جاهدت في الله تعالى وأحببتك في الله تعالى محال أن يكون هذا اللفظ حقيقة لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء وإنما هو على حذف المضاف أي في مرضاة الله وطاعته فيكون الحرف على بابه كأنك قلت هذا محبوب في الأعمال التي فيها مرضاة الله وطاعته وأما أن تدع اللفظ على ظاهرة فمحال وإذا ثبت هذا فقوله في ذات الله أو في ذات الإله إنما يريد في الديانة والشريعة التي هي ذات الإله فذات وصف للديانة وكذلك هي في الأصل موضوعها نعت لمؤنث ألا ترى أن فيها تاء التأنيث وإذا كان الأمر كذلك فقد صارت عبارة عما تشرف بالإضافة إلى الله تعالى عز وجل لا عن نفسه سبحانه وهذا هو المفهوم من كلام العرب ألا ترى قول النابغة الذبياني:
بجلتهم ذات الإله ودينهم
فقد بان غلط من جعل هذه اللفظة عبارة عن نفس ما أضيف إليه وهذا من كلامه من المرقصات فإنه أحسن فيه ما شاء أصل لفظة ذات أصل هذه اللفظة هو تأنيث ذو بمعنى صاحب فذات صاحبة كذا في الأصل ولهذا لا يقال ذات الشيء إلا لما له صفات ونعوت تضاف إليه فكأنه يقول صاحبة هذه الصفات والنعوت ولهذا أنكر جماعة من النحاة منهم ابن برهان وغيره على الأصوليين قولهم الذات وقالوا لا مدخل للألف واللام هنا كما لا يقال الذو في ذو وهذا إنكار صحيح والاعتذار عنهم أن لفظة الذات في اصطلاحهم قد صارت عبارة عن الشيء نفسه وحقيقته وعينه فلما استعملوها استعمال النفس والحقيقة عرفوها باللام وجردوها ومن هنا غلطهم السهيلي فإن هذا الاستعمال والتجريد أمر اصطلاحي لا لغوي فإن العرب لا تكاد تقول رأيت الشيء لعينه ونفسه وإنما يقولون ذلك لما هو منسوب إليه ومن جهته وهذا كجنب الشيء إذا قالوا هذا في جنب الله لا يريدون إلا فيما ينسب إليه من سبيله ومرضاته وطاعته لا يريدون غير هذا البتة فلما اصطلح المتكلمون على إطلاق الذات على النفس والحقيقة ظن من ظن أن هذا هو المراد من قوله "ثلاث كذبات في ذات الله" وقوله وذلك في ذات الإله فغلط

الصفحة 7