كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

تفخيم للفعل وتعظيم له من شكر بطنه إذا امتلأ فالأصل شكرت لزيد إحسانه وفعله ثم تحذف المفعول فتقول شكرت لزيد ثم تحذف الحرف لأن شكرت متضمنة لحمدت أو مدحت وأما كلت لزيد ووزنت له فمفعولهما غير زيد لأن مطلوبها ما يكال أو يوزن فالأصل دخول اللام ثم قد يحذف لزيادة فائدة لأن كيل الطعام ووزنه يتضمن معنى المبايعة والمقاوضة إلا مع حرف اللام فإن قلت كلت لزيد أخبرت بكيل الطعام خاصة وإذا قلت كلت زيدا فقد أخبرت بمعاملته ومبايعته مع الكيل كأنك قلت بايعته بالكيل والوزن قال تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} أي بايعوهم كيلا أو وزنا وأما قوله: {اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} فإنما دخلت على لتؤذن أن الكيل على البائع للمشتري ودخلت التاء في اكتالوا لأن افتعل في هذا الباب كله للأخذ لأنها زيادة على الحروف الأصلية تؤذن بمعنى زائد على معنى الكلمة لأن الأخذ للشيء كالمبتاع والمكتال والمشتري ونحو ذلك يدخل فعله من التناول والاجترار إلى نفسه والاحتمال إلى رحله ما لا يدخل فعل المعطي والمبايع ولهذا قال سبحانه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} يعني من السيئات لأن الذنوب يوصل إليها بواسطة الشهوة والشيطان والهوى والحسنة تنال بهبة الله من غير واسطة شهوة ولا إغراء عدو فهذا الفرق بينهما على ما قاله السهيلي وفيه فرق أحسن من هذا وهو أن الاكتساب يستدعي التعمل والمحاولة والمعاناة فلم يجعل على العبد إلا ما كان من هذا القبيل الحاصل بسعيه ومعاناته وتعمله وأما الكسب فيحصل بأدنى ملابسة حتى بالهم بالحسنة ونحو ذلك فخص الشر بالاكتساب والخير بأعم منه ففي هذا مطابقة للحديث الصحيح: "إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها وإن هم بسيئة فلا تكتبوها " رواه البخاري ومسلم وأما حديث: "الواسطة وعدمها" فضعيف لأن الخير أيضا بواسطة الرسول والملك والإلهام والتوفيق فهذا في مقابلة وسائط الشرط فالفرق ما ذكرناه والله أعلم.

الصفحة 74