كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

والجلوس لأنه متعد ومصدر المتعدي لا يجيء على الفعول قلت الصحيح أنه مصدر جاء على الفعول لأن مقابله وهو الكفر والجحد والنفار تجيء مصادرها على الفعول نحو كفور وجحود ونفور ويبعد كل البعد أن يراد بالكفور جمع الكفر والكفر لا يعهد جمعه في القرآن قط ولا في الاستعمال فلا يعرف في التخاطب كفار أو كفور وإنما المعروف الكفر والكفران والكفور مصادر ليس إلا فحسن مجيء الشكور على الفعول حمله على مقابله وهو كثير في اللغة وقد تقدمت الإشارة إليه وحتى لو كان الشكور سائغا استعماله جمعا واحتمل الجمع والمصدر لكان الأليق بمعنى الآية المصدر لا الجمع لأن الله تعالى وصفهم بالإخلاص وأنهم إنما قصدوا بإطعام الطعام وجهه ولم يريدوا من المطعمين جزاء ولا شكورا ولا يليق بهذا الموضع أن يقول لا نريد منكم أنواعا من الشكر وأصنافا منه بل الأليق بهم وبإخلاصهم أن يقولوا لا نريد منكم شكرا أصلا فينفوا إرادة نفس هذه الماهية منهم وهو أبلغ في قصد الإخلاص من نفي الأنواع فتأمله فإنه ظاهر فلا يليق بالآية إلا المصدر وكذلك قوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} إنما هو مصدر وليس بالمعهود البين جمع الشكر على الشكور واستعماله كذلك كما لو لم يعهد ذلك في الكفور الاستغناء بالمفعول المطلق عن المصدر عاد كلامه قال ويزيد هذا وضوحا قولهم أحببت حبا فالحب ليس بمصدر لأحببت إنما هو عبارة عن الشغل بالمحبوب ولذلك جاء على وزنه مضموم الأول ومن ثم جمع كما يجمع الشغل قال:
ثلاثة أحباب فحب علاقة ... وحب تملاق وحب هو القتل
فقد انكشف لك بقولهم أحببت حبا ولم يقولون إحبابا استغناء بالمفعول المطلق الذي هو أفيد عند المخاطب من الأحباب أن حلمت حلما وشكرت شكرا وكفر كفرا وصنع صنعا كلها واقعة على ما هو اسم للشيء المفعول وناصب له نصب المفعول المطلق وهو في هذه الأفعال أجدر أن يكون كذلك لأنها أعم من أحببت إذ الشكر واقع على أشياء مختلفة وكذلك الكفر والشغل والحلم وكلما كان الفعل

الصفحة 85