كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

أعم وأشيع لم يكن لذكر مصدره معنى وكان فعل ويفعل مغنيا عنه ولولا كشف الشاعر لاختلاف أنواع الحب ما كدنا نعرف ما فيه من العموم وأنه في معنى الشغل صار أحببت كشغلت وصار الحب كالشغل ولو قال إحبابا لكان بمنزلة شغلت شغلا بفتح الشين ألا ترى أنهم لا يجمعون من المصادر ما كان على وزن الإفعال نحو: الإكرام وعلى وزن الانفعال والافتعال والفعل ونحوها إلا أن يكون محددا كالتمرة من التمر وأما جمعه لاختلاف الأنواع فلا اختلاف للأنواع فيه إنما اختلاف الأنواع فيما كان اسما مشتقا من الفعل استغنى به عن المصدر لخصوصه وعموم المصدر وذلك لا تجده في الثلاثي إلا على وزن فعل وفعل ألا ترى أنهم لا يجمعون نحو الحذر والرمد والخدر والخفس والبرص والعمى وبابه قلت: فعل الحب فيه لغتان فعل وافعل وقد أنشدوا في الصحاح بيتين على اللغتين وهما:
أحب أبا مروان من أجل تمره ... واعلم أن الحب بالمرء أرفق
ووالله لولا تمره ما حببته ... وكان عياض منه أدنى ومشرق
هكذا أنشده المبرد والذي في الصحاح ولا كان أدنى من عبيد ومشرق بالأقواء والبيتان "لغيلان بن شجاع النهشلي وهو عربي" فصيح وإذا ثبت أنهما لغتان في أحببته حبا فأنا له محب وهو محبوب على تداخل اللغتين فأتوا في المصدر الثلاثي كالشكر والشغل واستعملوا من الفعلين الرباعي في غالب كلامهم حتى كأنهم هجروا الثلاثي وأتوا بمصدره حتى كأنهم هجروا الرباعي فلما جاءوا إلى اسم الفاعل أتوا بالاسم من الرباعي حتى كأنهم لم ينطقوا بالثلاثي فقالوا محب ولو يقولوا حاب أصلا وجاءوا إلى المفعول فأتوا به من الفعل الثلاثي في الأكثر فقالوا: محبوب ولم يقولوا محب إلا نادرا كما قال:
ولقد نزلت فلا تظنى غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم
فهذا من أحببت كما أن المحبوب من حببت ثم استعملوا لفظ الحبيب في

الصفحة 86