كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

المحبوب أكثر من استعمالهم إياه في المحب مع أنه يطلق عليهما فمن مجيئه بمعنى المفعول قول ابن الدمينة:
وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إلي وإن لم آته لحبيب
أي: لمحبوب ومن مجيئه للفاعل قول المجنون:
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
فهذا بمعنى محبها وربما قالوا: للحبيب حب مثل خدن فخدن وخدين مثل حب وحبيب وإذا ثبت هذا فقوله رحمه الله: الحب ليس بمصدر لأحببت إنما هو عبارة عن الشغل بالمحبوب ليس الأمر كما قال بل هي مصدر للثلاثي أجروه على الفعل الرباعي استغناء عن مصدره وهذا لكثرة ولوع أنفسهم بالحب وألسنتهم به استعملوه منه أخف المصدرين استغناء به عن أثقلهما وأما مجيئه بالضم دون الفتح فكثير في ذلك وهو قوة هذا المعنى وتمكنه من نفس المحب وقهره وإذلاله إياه حتى إنه ليذل الشجاع الذي لا يذل لأحد فينقهر لمحبوبه ويستأسر له كما هو معروف في أشعارهم ونثرهم وكما يدل عليه الوجود فلما كان بهذه المثابة أعطوه أقوى الحركات وهي الضمة فإن حركة المحب أقوى الحركات فأعطوا أقوى حركات المتحرك أقوى الحركات اللفظية ليتشاكل اللفظ والمعنى فلهذا عدلوا عن قياس مصدره وهو الحب إلى ضمه وأيضا فإنهم كرهوا أن يجيئوا بمصدره على لفظ الحب الذي هو اسم جنس للمحبة ولم يكن بد من عدولهم إما إلى الضم أو إلى الكسر وكان الضم أولى لوجهين أحدهما: قوته وقوة الحب الثاني: أن في الضمة من الجمع ما يوازي ما في معنى الحب من جميع الهمة والإرادة على المحبوب فكأنهم دلوا السامع بلفظه وحركته وقوته على معناه اشتقاق الحب وتأمل كيف أتوا في هذا المسمى بحرفين أحدهما الحاء التي هي أقصى الحلق مبدأ الصوت ومخرجها قريب من مخرج الهمزة من أصل المصدر الذي هو معدن الحب وقراره ثم قرنوها

الصفحة 87