كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

بالباء التي هي من الشفتين وهي آخر مخارج الصوت ونهايته فجمع الحرفان بداية الصوت ونهايته كما اشتمل معنى الحب على بداية الحركة ونهايتها فإن بداية حركة المحب من جهة محبوبه ونهايتها إلى الوصول إليه فاختاروا له حرفين هما بداية الصوت ونهايته فتأمل هذه النكت البديعة تجدها ألطف من النسيم ولا تعلق إلا بذهن يناسبها لطافة ورقة.
فقل لكثيف الطبع ويحك ليس ذا ... بعشك فادرج سالما غير غانم
واشتقاقه في الأصل من الملازمة والثبات من قولهم أحب البعير فهو محب إذ برك فلم يثر قال:
حلت عليه بالقطيع ضربا ... ضرب بعير السود إذ حبا
فلما كان المحب ملازما لذكر محبوبه ثابت القلب على حبه مقيما عليه لا يروم عنه انتقالا ولا يبغي عنه زوالا قد اتخذ له في سويداء قلبه وطنا وجعله له سكنا.
تزول الجبال الراسيات وقلبه ... على العهد لا يلوي ولا يتغير
فلذلك أعطوه هذا الاسم الدال على الثبات واللزوم ولما جاءوا إلى المحبوب أعطوه في غالب استعمالهم لفظ فعيل الدال على أن هذا الوصف وهو كون متعلق المحب أمر ثابت له لذاته وإن لم يحب فهو حبيب سواء أحبه غيره أم لا وهذا الوزن موضوع في الأصل لهذا المعنى الشريف وإن لم يشرفه غيره وهو من بناء الأوصاف الثابتة اللازمة كطويل وقصير وكريم وعظيم وحليم وجميل وبابه وهذا بخلاف مفعول فإن حقيقته لمن تعلق به الفعل ليس إلا مضروب لمن وقع عليه الضرب ومقتول ومأكول وبابه فهجروا في أكثر كلامهم لفظ محبوب لما يؤذن من أنه الذي تعلق به الحب فقط واختاروا له لفظ حبيب الدال على أنه حبيب في نفسه تعلق به الحب أم لا جاءوا إلى من قام به الحب فأعطوه لفظ محب دون حاب لوجهين أحدهما: أن الأصل هو الرباعي والنطق به أكثر فجاء على الأصل الثاني: أن حروفه أكثر من حروف حاب والمحل محل تكثير

الصفحة 88