كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)
فإنه قيل: تفريقك بين الأمرين دعوى فما دليلها قلنا: قولك عرق يعرق عرقا لا يخفى على أحد أنه مصدر عرق والعرق الذي هو جسم سائل مائع سائل من الجسد لا يخفى على أحد أنه غير العرق الذي هو المصدر وإن كان اللفظ واحدا فكذلك المرض يكون عبارة عن المصدر وعبارة عن السقم والعلة فعلى هذا تقول تصبب زيد عرقا ليكون له إعرابان تمييز إذا أردت المائع ومفعول من أجله أو مصدر مؤكد إذا أردت المصدر وكذلك دميت إصبعي دما إذا أردت المصدر فهي مثل العمى وإن أردت الشيء المائع فهو دم مثل يد وقد يسمى المائع بالمصدر قال:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أعقابنا تقطر الدما
فهذا مقصور كالعصا وعليه قول الآخر:
جرى الدميان بالخبر اليقين
فصل:
ومن حيث امتنع أن يؤكد الفعل العام بالمصدر لشيوعه كما يمتنع توكيد النكرة لشيوعها وأنها لم تثبت لها عين لم يجز أن يخبر عنه كما لا يخبر عن النكرة لا تقول من فعل كان شرا له بخلاف من كذب كان شرا له لأن كذب فعل خاص فجاز الإخبار عما تضمنه من المصدر ومن ثم لم يقولوا فعلت سريعا ولا علمت طويلا كما قالوا سرت سريعا وجلست طويلا على الحال من المصدر كما يكون الحال من الاسم الخاص ولا يكون من النكرة الشائعة فإن قلت اجعله نعتا للمفعول المطلق كأنك قلت: فعلت فعلا سريعا وعملت عملا كثيرا قيل لا يجوز إقامة النعت مقام المنعوت إلا على شروط مذكورة في موضعها فليس قولهم سرت سريعا نعتا لمصدر نكرة محذوفة إنما هو حال من مصدر في حكم المعرفة بدلالة الفعل الخاص عليه فقد استقام الميسم للناظر في فصول هذه المسألة واستتب القياس
الصفحة 90
290