كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

فيها من كل وجه فإن قيل: فما قولكم في علمت علما أليس هو مصدرا لعلمت فلم جاء مكسور الأول كالطحن والذبح قيل: العلم يكون عبارة عن المعلوم كما تقول فرأيت العلم وعبارة عن المصدر نفسه الذي اشتق منه علمت إلا أن ذلك المصدر مفعول لعلمت لأنه معلوم بنفس العلم لأنك إذا علمت الشيء فقد علمته وعلمت أنك علمته بعلم واحد فقد صار العلم معلوما بنفسه فلذلك جاء على وزن الطحن والذبح وليس له نظير في الكلام إلا قليل لا أعلم فعلا يتناول المفعول ويتناول نفسه إلا العلم والكلام لأنك تقول للمخاطب تكلم فيقول قد تكلمت فيكون صادقا وإن لم ينطق قبل ذلك ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لما قال له يا ابن عبد المطلب قد أجبتك" رواه البخاري وأبو داود وكان قد أجبتك جوابا وخبرا عن الجواب فتناول القول نفسه ولذلك تعبدنا في التلاوة أن نقول قل هو الله أحد لأن قل أمر يتناول ما بعده ويتناول نفسه فمن ثم جاء مصدر القول على القيل كما جاء مصدر علمت على العلم وجاء أيضا على القال وهو على وزن القبض لأن القول قد يكون مقولا بنفسه وجاء أيضا على الأصل مفتوح الأول وأما العلم فلم يجيء إلا مكسورا مصدرا كان أو مفعولا لأنه لا يكون أبدا إلا معلوما بنفسه والقول بخلاف ذلك قد يتناول نفسه في بعض الكلام وقد لا يتناول إلا المفعول وهو الأغلب وأما الفكر فليس باسم عند سيبويه ولذلك منع من جمعه فقال: لا يجمع الفكر على أفكار حمله على المصادر التي لا تجمع وقد استهوى الخطباء والقصاص خلاف هذا وهو كالعلم لقربه منه في معناه ومشاركته له في محله وأما الذكر فبمنزلة العلم لأنه نوع منه.
فصل:
فيما يحدد من المصادر بالهاء وفيه بقايا من الفصل الأول فقد تقدم أن الفعل لا يدل على مصدره إلا مطلقا غير محدد ولا منعوت وإنك إذا قلت: ضربته ضربة فإنما هو مفعول مطلق لا توكيد لأن التوكيد لا يكون في معناه زيادة على المؤكد ومن

الصفحة 91