كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

ثم لا تقول سير بزيد سريعة حسنة تريد سيرة كذلك ولا قعدت طويلة لأن الفعل لا يدل بلفظه على المرة الواحدة ومن ثم بطل ما أجازه النحاس وغيره من قوله: زيد ظننتها منطلق تريد الظنة لأن الفعل لا يدل عليها وإذا ثبت هذا فالتحديد في المصادر ليس يطرد في جميعها ولكن فيما كان منها حركة للجوارح الظاهرة ففيه يقع التحديد غالبا لأنه مضارع للأجناس الظاهرة التي يقع الفرق بين الواحد منه والجنس بهاء التأنيث نحو تمرة وتمر ونخلة ونخل وكذلك تقول ضربة وضرب وأما ما كان من الأفعال الباطنة نحو علم وحذر وفرق ووجل أو ما كان سبعا نحو ظرف وشرف لا يقال في شيء من هذا فعلة لا يقال فهم فهمة ولا ظرف ظرفة وكذلك ما كان من الأفعال عبارة عن الكثرة والقلة نحو طال وقصر وكبر وصغر وقل وكثر لا نقول فيه فعلة وأما قولهم: الكبرة في الهرم فعبارة عن الصفة وليست بواحدة من الكبر وكذلك الكثرة ليست كالضربة من الضرب لأنك لا تقول كثر كثرا وأما حمدا فما أحسبه يقال في تحديده حمدة كما يقال: مدحة الفرق بين الحمد والمدح والفرق بينهما أن حمد يتضمن الثناء مع العلم بما يثنى به فإن تجرد عن العلم كان مدحا ولم يكن حمدا فكل حمد مدح دون العكس ومن حيث كان يتضمن العلم بخصال المحمود جاء فعله على حمد بالكسر موازنا لعلم ولم يجيء كذلك مدح فصار المدح في الأفعال الظاهرة كالضرب ونحوه ومن ثم في الكتاب والسنة حمد: ربنا فلانا ويقول مدح الله فلانا وأثنى على فلان ولا تقول حمد إلا لنفسه ولذلك قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} بلام الجنس المفيدة للاستغراق فالحمد كله له إما ملكا وإما استحقاقا فحمده لنفسه استحقاق وحمد العباد له وحمد بعضهم لبعض ملك له فلو حمد هو غيره لم يسغ أن يقال في ذلك الحمد ملك له لأن الحمد كلامه ولم يسغ أن يضاف إليه على جهة الإستحاق وقد تعلق بغيره فإن قيل: أليس ثناؤه ومدحه لأوليائه إنما هو بما علم فلم لا يجوز أن يسمى حمدا قيل لا يسمى حمدا على الإطلاق إلا ما يتضمن العلم بالمحاسن على الكمال وذلك معدوم في غيره سبحانه فإذا مدح فإنما يمدح بخصلة هي ناقصة في حق العبد وهو أعلم

الصفحة 92