كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)

محاسن الغير له ثلاث اعتبارات اعتبار من حيث المخبر به واعتبار من حيث الإخبار عنه بالخبر واعتبار من حيث حال المخبر فمن حيث الاعتبار الأول ينشأ التقسيم إلى الحمد والمجد فإن المخبر به إما أن يكون من أوصاف العظمة والجلال والسعة وتوابعها أو من أوصاف الجمال والإحسان وتوابعها فإن كان الأول فهو المجد وإن كان الثاني فهو الحمد وهذا لأن لفظ م ج د في لغتهم يدور على معنى الاتساع والكثرة فمنه قولهم أمجد الدابة علفا أي أوسعها علفا ومنه مجد الرجل فهو ماجد إذا كثر خيره وإحسانه إلى الناس قال الشاعر:
أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل
ومنه قولهم في شجر الغار واستمجد "المرخ" "والعفار" أي كثرت النار فيهما ومن حيث اعتبار الخبر نفسه ينشأ التقسيم إلى الثناء والحمد فإن الخبر عن المحاسن إما متكرر أو لا فإن تكرر فهو الثناء وإن لم يتكرر فهو الحمد فإن الثناء مأخوذ من الثني وهو العطف ورد الشيء بعضه على بعض ومنه ثنيت الثوب ومنه التثنية في الاسم فالمثنى مكرر لمحاسن من يثنى عليه مرة بعد مرة ومن جهة اعتبار حال المخبر ينشأ التقسيم إلى المدح والحمد فإن المخبر عن محاسن الغير إما أن يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح فحصل هذه الأقسام وميزها ثم تأمل تنزيل قوله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول العبد: "الحمد لله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي لأنه كرر حمده فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإنه وصفه بالملك والعظمة والجلال " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي فاحمد الله على ما ساقه إليك من هذه الأسرار والفوائد عفوا لم تسهر فيها عينك ولم

الصفحة 95