كتاب بدائع الفوائد (اسم الجزء: 2)
الآية بالوجوه الثلاثة فمن قرأ بالضم أو الفتح فهو مصدر ومن قرأ بالكسر فهو بمعنى المشروب وعلى الأول يقع التشبيه بين الفعلين وهو المقصود بالذكر شبه شربهم من الحميم بشرب الإبل العطاش التي قد أصابها الهيام وهو داء تشرب منه ولا تروى وهو جمع أهيم وأصله هيم بضم الهاء كأحمر وحمر ثم قلبوا الضمة كسرة لأجل الياء فقالوا: هيم وأما قراءة الكسر فوجهها أنه شبه مشروبهم بمشروب الإبل الهيم في كثرته وعدم الري به والله تعالى أعلم. عاد كلامه قال فإن قيل: الفهم والعقل والوهم والظن مصادر ليست مما ذكرت وقد جمعت فقالوا أفهام وأوهام وعقول قيل: هذه مصادر في أصل وضعها ولكنها قد أجريت مجرى الأسماء حيث صارت عبارة عن صفة لازمة وعن حاسة ناطقة كالبصر ألا ترى أنك إذا قلت عقلت البعير عقلا لم يجز في هذا المصدر الجمع فإذا أردت به المعنى الذي استعير له وهو عقل الإنسان جاز جمعه إذ صار للإنسان كأنه حاسة ناطقة كالبصر ألا ترى أن البصر حيثما ورد في القرآن الكريم مجموع والسمع غير مجموع في أجود الكلام لبقاء السمع على أصله من بناء المصادر الثلاثة ولكون البصر على وزن فعل كالأسماء ولأنه يراد به الحاسة وقد يجوز في السمع على ضعف أن تجمعه إذا أردت به الحاسة دون المصدر كما تجمع الفهم على أفهام ولكن لا يكون ذلك إلا بشرط وهو أن تكون الأفهام والإسماع ونحوها مضافة إلى جمع نحو أفهام القوم وأسماع الزيدين ولو كان هذا الجمع إنما هو لاختلاف أنواع المصدر لما جاز أن تقول عرفت أفهام القوم في هذه المسألة وعرفت علومهم لأن الصفة لا تختلف عند اتحاد متعلقها بل هي مماثلة وإن اختلفت محالها فعلم زيد وعلم عمرو إذا تعلقا بشيء واحد فهما مثلان وعلم زيد بشيء واحد وعلمه بشيء آخر مختلفان لاختلاف المعلومين والمقصود أن الأفهام والعقول لا تجمع لاختلاف أنواعها لأنها قد تجمع حيث لا تختلف وهي
الصفحة 97
290