كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

قال بشّار: وما ذاك؟
قال: بينما تثير النقع وتخْلَعُ القلوب بقولك:
إِذَا مَا غَضِبْنَا غَضْبَةً مُضَريَّةً ... هَتَكْنَا حِجَابَ الشَّمْس أَوْ تُمْطِرَ الدَّمَا
إِذَا مَا أَعَرْنَا سَيِّداً مِنْ قَبِيلةٍ ... ذُرَا مِنْبَرٍ صَلَّى عَلَيْنَا وَسلَّمَا
نَراكَ تقول:
رَبَابَةُ رَبَّةُ الْبَيْتِ ... تَصُبُّ الْخَلَّ في الزَّيْتِ
لَهَا عَشْرُ دَجَاجَاتٍ ... وَدِيكٌ حَسَنُ الصَّوْتِ
فقال بشّار:
"لكلِّ وَجْهٌ وَموضع، فالقولُ الأوّل جِدٌّ، والثاني قُلْتُه في "رَبَابَةَ" جاريتي، وَأنَا لا آكُل البيض من السّوق. و"رَبَابَةُ" لها عشْرُ دَجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض، فهذا القول عندها أحْسَنُ من (قِفَا نَبْكِ منْ ذِكْرى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ) عندك".
(6) وقال الزمخشري: "كما يجب على البليغ فى مَظَانِّ الإِجمال أن يُجْمِلَ ويُوجِزَ، فكذلِكَ الواجب عليه فى موارد التفصيل أنْ يُفَصّل ويُشْبِع".
(7) وقالوا: "لكلّ مقامٍ مقال".
(8) ومن أمثلة مراعاة مقتضيات الأحوال بكلّ من "المساواة والإِيجاز والإِطناب" ما جاء فيما حكاه الله عزَّ وجلَّ من قصة موسى والخضر عليهما السلام في سورة (الكهف /18 مصحف /69 نزول) :
{قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قَالَ ستجدني إِن شَآءَ الله صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً * قَالَ فَإِنِ اتبعتني فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً *

الصفحة 10