كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

* أو المراد منها المستحقّون له، سواءٌ أكانوا هم المدبّرين له، أوْهُمْ ومعَهُمُ الّذين دُبِّر ضِدَّهم، إذا كانَ هؤلاء أصحابَ شرٍّ أيضاً يسْتَحِقُّون أن يَحِيقَ بهم المكر السّيّئ؟. فإذا كان المراد هذا المعنى الثاني فالعبارة تشتمل على إيجاز الْقِصَر باستخدام لفظٍ ذي معنىً كلِّيّ صالحٍ لنوعَيْن: مُدَبّري المكر، ومَسْتَحِقّيه من غيرهم.
المثال الثاني:
قول النابغة الذبياني من قصيدة يَمْدَحُ بها "النعمان بن المنذر" مَلِكَ الحيرة، على ما أورد القرويني في التخليص:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِى هُوَ مُدْرِكي ... وَإِنَ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
مُدْركي: أي: بالِغٌ إليَّ ومحيطٌ مَهْمَا فررتُ منه.
خِلْتُ: أي: ظَنَنْتُ.
الْمُنْتَأَى: أي: مَكَان الابتعاد.
والمعنى: فإنَّكَ - أيُّها الملك - بسبب قُدْرَتِك على الوصول إلى الْقَبْضِ عليَّ، والإِمْسَاك بي تشبه اللّيل الذي هو مُدْرِكي لا محالة أينما فَرَرْتُ منه قاصداً أيّ مكانٍ من الأرض.
هذا واقع حالي بالنسبة إلى قدرتك على الظفر بي، وإنْ ظننتُ أنَّ مكان الابتعادِ عن جُنُودِ سلطانك في البلاد مكانٌ واسعٌ أَجِدُ فيه مفرّاً منهم.
لكِنَّ هذا المثال قابل للمناقشة أيضاً من وجوه:
الوجه الأول: أنّ استخدام "النابغة" أُسْلُوبَ تشبيه "النعمان" باللَّيل في قُدْرَتِهِ على الظفر بمن يَطْلُبُه من قومه أسلوبٌ أوْجَزَ فيه كلاماً طويلاً فهو مثالٌ يَصْلُح للإِيجاز لا للمساواة.

الصفحة 22