كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

يبدو أن هذا النّصّ صالحٌ لأن يعتبر مثالاً للمساواة، إذْ لم ألاحظ فيه عبارةً فيها إيجاز، ولا عبارةً هِيَ من قبيل الإِطناب. إلاَّ أنْ يقال: إنّ المراد من عبارة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} تجري مِنْ تَحْتِ قُصُورِها، أو تَجْري من تَحْتِ فُرُوع أشجارها.
وقد يجاب بأنّ {جَنَّات} يُطلَقُ على السّاترات من الأشجار والقصور لا على الأرض من تحتها، فتكون الأنهار الجاريات على أراضيها جارياتٍ من تحتها، ولا حاجة إلى تقدير مضافٍ محذوف.
المثال السابع:
وذكروا من أمثلة الكلام الموصوف "بالمساواة" قول الشاعر:
وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنىً كُلَّ حَاجَةٍ ... وَمَسَّحَ بالأَرْكانِ مَنْ هُو مَاسِحُ
وَشُدَّتْ عَلَى دُهْمِ الْمَطَايَا رِحَالُنا ... وَلَمْ يَنْظُر الْغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ
أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الأَحَادِيثِ بَيْنَنَا ... وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الأَبَاطِحُ
المثال الثامن:
وذكروا منها أيضاً قول أبي نواس الذي قال "الجاحظ" بشأنه: لا أعرف شعراً يَفْضُلُه:
وَدَارِ نَدَامَى عَطَّلُوهَا وَأَدْلَجُوا ... بِهَا أَثَرٌ مِنْهُمْ: جَدِيدٌ وَدَارِسُ
مَسَاحِبُ مِنْ جَرِّ الزِّقَاقِ عَلَى الثَّرَى ... وَأَضْغَاثُ رَيْحَانٍ: جَنِيٌّ وَيَابسُ
حَبَسْتُ بِهَا صَحْبِي فَجَدَّدْتُ عَهْدَهُمْ ... وَإنِّي عَلَى أَمْثَالِ تِلْكَ لَحَابِسُ
تُدَارُ عَلَيْهَا الرَّاحُ فِي عَسْجَدِيَّةٍ ... حَبَتْهَا بأَنْواعِ التَّصَاوِيرِ فَارِسُ
قَرَارَتُهَا كِسْرَى وَفِي جَنَباتِهَا ... مَهاً تَدَّرِيَها بِالْقِسِيِّ الْفَوارِسُ
فَلِلرَّاح مَا زُرَّتْ عَلَيْهِ جُيُوبُها ... ولِلْمَاءِ مَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْقَلاَنِسُ
لكنّ هذين المثالين الأخيرين يحتاجان إلى دراسةٍ تحليليّة للتحقّق من انطباق عنوان "المساواة" عليهما.

الصفحة 25