كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

الفائدة الثانية: التَّنْبيهُ على أنّ الوقت مع الحدث لا يتسع للتصريح بالمحذوف من اللفظ، أو أنّ الاشتغال بالتصريح به يُفضي إلى تفويت أمْرٍ مُهِمّ، وتظهر هذه الفائدة كثيراً في باب "التحذير والإِغراء" ومنه ما في قول الله عزّ وجلّ في سورة (الشمس/ 91 مصحف/ 26 نزول) المشتمل على قول صالح عليه السلام لقومه:
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ انبعث أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله نَاقَةَ الله وَسُقْيَاهَا} [الآيات: 11 - 13] .
فحذَّرَّهُمْ أن يَمَسُّوا نَاقَةَ الله، فحذَف فِعْلَ التحذير فقال: "نَاقةَ الله" والتقدير: ذَرُوا نَاقَةَ الله.
وأغراهم بأن يحافظوا على شروط سُقْيَاها، فحذف فِعْلَ الإِغراء فقال: "وسُقْيَاها" والتقدير: الزموا سقياها، أو الزموا شروط سقياها.
الفائدة الثالثة: التفخيم والتعظيم، أو التهويل ونحو ذلك، بسبب ما يُحْدِثُه الحذف في نفس المتلقّي من الإِبهام الذي قد يجعل نَفْسَه تقدّر ما شاءت دون حدود، ويَحْسُنُ مثل هذا الحذف في المواضع التي يُراد بها التعجيب والتهويل وأن تذهب النفس في تقدير المحذوف كلَّ مذهب.
كحذف جواب الشرط في قول الله عزّ وجلّ في سورة (الزمر/ 39 مصحف/ 59 نزول) :
{وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} [الآية: 73] .
وتقدير الجواب: لَرَأَوْا شيئاً عظيماً جدّاً تعجز عباراتهم عن وصفه.
وكحذف جواب الشرط أيضاً في قول الله عزّ وجلّ في سورة (الأنعام/ 6 مصحف/ 55 نزول) :

الصفحة 41