كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

المثال الثاني:
قول الله عزّ وجلّ في سورة (الذاريات/ 51 مصحف/ 67 نزول) :
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} [الآيات: 24 - 25] .
هؤلاء الضيوف كانوا الملائكة الذين بشّروه بغلام عليم من زوجته "سارَة" وأخْبَرُوهُ بأنَّهُمْ ذاهبون لإِهلاك قَوْم لوط.
وقد جرى في تحيّتهم له حذف، وفي رَدّ إبراهيم عليهم حذف أيضاً ودَلَّ على المحذوف قرينة الحال، وتقدير الكلام إذا رَدَدْنا المحذوفات كما يلي:
قالوا: نُسَلِّمُ عليك سَلاَماً.
قال: سَلامٌ عليكم أَنْتُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُون.
وداعي الحذف هنا الإِيجاز والتخفيف لكثرة دوران مثل هذا الاستعمال على الألسنة.
المثال الثالث:
قول الله عزّ وجلّ في سورة (المائدة/ 5 مصحف/ 112 نزول) :
{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود ... } [الآية: 1] .
وقوله في سورة (الإِسراء/ 17 مصحف/ 50 نزول) :
{وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً} [الآية: 34] .
إنّ العقودَ والْعُهُودَ التزاماتٌ بالقول يُنْشِئُها المتعاقدون والمتعاهدون، وترتبط ذه الالتزامات الإِنشائية بإبرامها بالقول، فكيف يُطالِبُ اللَّهُ عزّ وجلّ بالْوَفاء بها وقد استوفَتْ شروط إبرامها؟.
الدّليل العقلي يَهْدِي إلى أنّ المطلوبَ الْوَفَاءُ بمقتضاها، لأنّ العقود والعهود تُبْرَمُ بالأَقوال ثم على مَنْ أبْرَمَها أن يلتزم بمقتضاها.

الصفحة 44