كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

وإذا كان المعنى غريباً اختيرت له ألفاظٌ غريبة تُلائمه.
وإذا كان المعنى متداولاً اختيرت له ألفاظٌ متداولة تُلائمه.
وإذا كان المعنى متوسطاً بين الغرابة والتداول اختير له ما يلائمه.
وإذا كان المعنى فخماً اختير له ألفاظ مفخمة تلائمه.
وهكذا، فألفاظ الحب والْغَزَلِ، غير ألفاظ العتاب والتثريب، وألفاظ المدح غير ألفاظ الهجاء.
إنّه ليس من المستحسن في المدح أن يُقالَ: ثَقِيلُ الجود، ولا أن يقال في الغزل: ثقيل الحبّ، أو عنيفُ الهوى، ولا أن يقال في الإِرهاب: لطيف العبور نافذ الإِرادة، إلاَّ في مُخَاطبة لمَّاحي الذكاء، وعلى سبيل الإِشارة، إلى غير ذلك من اختيار ألفاظ غير ملائمة للمعاني الّتي يُرادُ التأثير بها.
أمثلة:
المثال الأول: قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (يوسف/ 12 مصحف/ 53 نزول) يحكي ما قال أولاد يعقوب عليه السلام بشأن يوسف عليه السلام:
{قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} [الآية: 85] .
في هذ النّص من الائتلاف جمع اللّفظ الغريب مع اللّفظ الغريب، وبيانُه "الْحَرَضَ" في اللّغة هو الّذِي أضناه الحزْنُ والعشقُ، فهو به شديد المرض، وهذا اللّفظ من الألفاظ الغريبة، وكان من فنيّةِ جمع الغريب مع الغريب اختيار أغرب ألفاظ القسم، وهي "التاء" فإنّها أقَلُّ استعمالاً وأبْعَدُ عن أفْهَام العامة من القسم، بحرف "الباء" أو حرف "الواو"، واختيار أغرب صِيغ الأفْعال التي ترفع الاسم وتنصِبُ الخبر من أخوات "كان" وهو فعل "تفتأ" وكان من الممكن اختيار فعل: "ما تزال" فهو أقرب إلى الأفهام، وأكثر استعمالاً من فعل: "ما تَفْتَأ" وهو بحذف "ما" منه أشدّ غرابة.

الصفحة 521