كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

"كَسَبَ" الذي يُسْتَعْمَل في مكاسب الحياة الدنيا من مالٍ وغيره مراداً به فعل الحسنات والخيرات، لأنها ثَرْوَةٌ يَدَّخرها الإِنسان، فتنفَعُهُ في دنياه وأخراه، وإنْ شقَّ فعلُهَا على نفسه.
واختير فيه فعلُ "اكْتَسَب" الذي فيه معنى تَكَلُّف حَمْل الْعِبْء مراداً به فعلُ السّيئات والمعاصي والآثام، لأنّها أوزارٌ وأحمالٌ ثقيلة تأتيه بأنواعٍ من العذاب في دنياه وأُخراه، وإِنْ جلَبَتْ له لَذَّةٌ عاجلة، وهانَ فِعْلُها على نفسه.
المثال الخامس: قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الشعراء/ 26 مصحف/ 47 نزول) بشأن إدخال أهل جهنّم فيها:
{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الآيات: 94 - 95] .
جاء في هذا النصّ اختيار لفظ [كُبْكِبُوا] ملائماً تماماً للمعنى المراد منه، وذلك لأنّ فعل: "كَبّ" يَدُلُّ على المرّة الواحدة، والمعنيّون لا يُجْمَعُونَ ويُكَبُّونَ كبَّةٌ واحدة. أمّا فعل: [كَبْكَبَ] فهو يَدُلُّ على معنى الكبّ المتكرّر المتتابع، وهو أمْرٌ تدلُّ عليه الصيغة الّتي فيها تكرير للحروف كدلالة "الوسوسة" على التكرير، ودلالة "السلسلة" على تتابع الحلقات، ودلالة "الصلصلة" على تكرار الصوت، كصَوت الجرس.
إنّ الكَبْكَبَةَ الجماعيّة المتكرّرة أَدلُّ على الإِهانة، وأكثر ملاءمةً للمعنى المراد.
المثال السادس: قول الله عزَّ وجلَّ في سورة [طه/ 20 مصحف/ 45 نزول) :
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا ... } [الآية: 132] .
جاء في النّصّ اختيار كلمة [اصْطَبِرْ] ملائماً للمعنى المراد، وهو تَكَلُّف الصَّبْر، بمغالبة النفس.

الصفحة 523