كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

ومعظم هذه الأنواع مقبول، وبعضُهَا ممدوح يستحقّ التقديرَ والإِعجاب لما فيه من تصرّف حسن، وحُسْنُ التصرُّف فيه يخرجه من الاتّباع إلى حيّزِ الابتداع، وأكثره خفاءً أكثره قبولاً.
***
النوع الرابع: "التشابه":
وهو أنْ يتشابه النصّان المأخوذ والمأخوذ منه، ولو كانا في غرضين مختلفين من الكلام، كالمدح والهجاء، والنسيب، ومنه على ما ذكروا قول الطِرِمّاح بن حكيم الطائي:
لَقَدْ زَادَنِي حُبّاً لِنَفْسِيَ أنَّنِي ... بَغِيضٌ إِلى كُلِّ أمْرِئٍ غَيْرِ طَائِلِ
غَيْرِ طَائل: أي: غَيْرِ ذي نفع وفائدة.
أخذ فكرته المتنبّي فقال، وأحسن:
وإِذا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي مِنْ نَاقِصٍ ... فَهِيَ الشَّهادَةُ لي بِأَنّي كَامِلُ
***
النوع الخامس: "النقل":
وهو أن ينقل الآخِذُ معنى المأخوذ منه إلى غير محلّه، ومن هذا النوع على ما ذكروا قول البحتري، وهو السابق:
سُلِبُوا فأَشْرَقَتِ الدِّمَاءُ عَلَيْهِمُ ... مُحْمَرَّةً فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلَبُوا
أي: سُلِبُوا ثيابهم، فكانت الدّماء التي غطَّتُ أجْسَادَهُمْ بمثابَة الثياب عليها، فكأنّهم لم يُسْلَبُوا.
*أخَذَ المتنبّي هذا المعنى ونقلَهُ إلى السَّيْفِ، فقال:
يَبِسَ النَّجِيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ ... عَنْ غِمْدِهِ فَكأنَّمَا هُو مُغْمَدُ
النَّجِيع: دَمُ الجَوْف، يقال: طَعْنَةٌ تمُجُّ النَّجِيعَ، أي: تخرج دمَ الجوف.

الصفحة 555