كتاب البلاغة العربية (اسم الجزء: 2)

حَسَنة، ومن هذا النوع على ما ذكروا، قولُ الأفْوَهِ الأَوْدِي يصف خروج قومه إلى الحرب:
وَتَرَى الطَّيْرَ عَلَى آثَارِنَا ... رَأَيَ عَيْنٍ ثِقَةً أنْ سَتُمَارُ
أي: إِنَّ الطَّيرَ آكِلَةَ اللُّحوم تَتْبَعُ جَيْشَهُمُ الخارج إلى القَتَال لأنَّها واثقة بحَسَبِ ما اعْتَادَتْ أنَّها ستُصيبُ ميرَتَها، أي: طعامها من لحوم القتلَى الَّذِين يقعون صرعى من الأعداء.
يقال لغة: مَارَ أهْلَهُ إذا أعَدَّ لهم مِيرَتَهُمْ، أي: موادّ طعامهم.
نظر أبو تمّام إلى هذا الشِّعْر فأخذ منه وأضاف فأحْسَن، فقال:
لَقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبَانُ أَعْلاَمِهِ ضُحىً ... بِعِقْبَانِ طَيْرٍ في الدِّمَاء نَواهِلِ
أقامَتْ مَعَ الرَّاياتِ حتى كأنَّهَا ... مِنَ الجَيْش إلاَّ أنَّها لَمْ تُقَاتِلِ
عِقْبانُ أعْلاَمِه: أي: الأعلام التي تشبه العِقبانَ، أو الأعْلامُ التي عليها أمثلة العِقبان.
العِقبان: جمع مفرده "العُقَاب" وهو من كواسر الطير، ذو مخالب قويَّة.
أهمل أبو تمَّام بعض ما جاء في كلام الأفوه الأودي، وأضافَ أنّ العِقْبانَ مقيمة مع الرَّايات حتّى كأنَّها جزءٌ من الجيش، تترقَّبُ الصَّرْعَى من الأعداء لتَنْقَضَّ عليهم، فزاد الفكرة حسناً.
***

الصفحة 557