كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 2)

كان مأموراً بالعفو عنهم وهو المبعوث إنه لأولى بالعفو وهو الباعث، والباعث إله معبود، والمبعوث عبد عابد، فانتظر جواب هذه أيضاً، فما خلص من هذا النمط إلا بهجر الرقاد، ومسح البلاد، ولقاء الجهابذة النقاد.
وما معنى قوله عز وجل " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " الأنفال: 17 فقد رأيت ناساً عرض لهم من ظاهر هذا الكلام ما ينافي المعنى، ولم يصح لهم التأويل الصحيح، وكانوا طوال الأيدي في العلم، حذاق الخواطر في الجدل، فصحاء الألسنة لدى الحجاج وتحكم التشكيك، وانتهوا إلى الترادع والتلاوم، ولو لم يعجبوا بما عرفوا لوضعوا الحد في تعرف ما لم يعرفوا، وفوق كل ذي علم عليم.
وما وجه قوله عز وجل " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " الأنعام: 103 وإذا ضممته إلى قوله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة: 22 فإنك إن حملت أحد القولين على الآخر لم تبرأ من تعسف أو تكلف، فقفنا على المعنى الموقوف به فيهما، وعرفنا مراد الله عز وجل منا بهما، فالخطب قد أعضل من أجل هاتين الآيتين حتى صار الباحثون عن الحق فيهما إلى الاختلاف الشديد، والشتات العتيد، واستحل فيه الدم، وعق بسببه الوالد، وهجر الوطن، وأطلق التكفير، وهذه مصائب الدين الذي ندين به، ونعتصم بحبله، وندعو إلى الإذعان له، والإقرار به، وقد عاد غريباً كما بدأ غريباً، وحق قول الرسول الحق حين قال: إن الأسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء.

الصفحة 229