كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 2)

فقد قال شيخ من شيوخ المتكلمين في صدر كتابه، اعلم أن أول ما يجب على المكلف النظر المؤدي إلى معرفة الله. وكان القاضي أبو حامد المروروذي يقول: قد اعترض على هذا الكلام ناس، وذلك ان هذا الرجل ذكر الوجوب والأول وهذا لا يعرفان إلا بدلائل أخر، وإن من لم يعرف هذه المعرفة لم يعرف الوجوب ولا الأول، ولا الوجوب بأنه مفرد، والعاري من المعارف لا سبيل له إلا التسليم. ثم قال المكلف، والتكليف أيضاً متعلق بمكلف، فمن هذا المكلف؟ أعقله الذي هو حامد شاكر لم يلطخ بالشبه ولا بالمعارض الفاسدة، ولا بالأقوال المتناقضة، ولا بالعادة الرديئة، ولا بالمنشأ المكروه، ولا بدواعي السوء، إنما هو على نور من واهبه، وفطره من فاطره، أو لبه الذي هو في طريق عرفانه؟ ثم قال: النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى فخص هذا النوع من النظر دون سائر أنواع النظر، وأني لهذا المبتدئ هذا النظر وهذه القوة وهذا البيان؟ وهل تصفح فنون النظر، ووقف على أصناف المعارف حتى يستخلص النظر المؤدي من سائر النظر الذي لا يؤدي؟! وقال أيضاً أبو حامد المروروذي اعتراضاً على صاحب الكتاب: لولا تجوز أرباب هذا الشأن لما أقدموا هذا الإقدام، لأن معرفة الله تعالى ليست من جنس المعارف؛ ألا ترى أنك تقصد في نفي الإثبات نفس جمع الصفات - أعني الصفات التي تجد عليها جميع الموجودات - فتقول: ليس هو جسماً ولا عرضاً، ولا حالاً في شيء، ولا قائماً على شيء، ولا متصلاً بشيء، فحكم ليس هو حرف نفي على موجود، وهو أول كل شيء ثابت.
وكان إذا امتد نفسه في هذا الباب وما أشبهه، قيل له: كيف الوصول إلى المحصول؟ فيقول: ليس إلا الاستعانة بالله والإقبال عليه، واقتباس النور من لدنه، فما رام العبد قط مراماً فتم إلا به، ولا توجه إلا إليه؛ وكان يشير إلى

الصفحة 236