كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 2)

وقال صاحب الكتاب: ليس يجوز أن يكون العلم الواقع عقيب النظر من فعل الله، لأن ذلك كان يقتضي أن لا يعترضه الشك، وأن يجري مجرى سائر العلوم الضرورية التي يفعلها الله عز وجل. قال: وإذا لم يكن فعلاً لله عز وجل فيجب أن يكون فعلاً للإنسان، ويجب أن يكون متولداً عن النظر، لا تقع عين المنظور فيه دون غيره من سائر الوجوه التي يجوز للناظر دون المنظور فيه علمها؛ وهذا أيضاً فيه هضم شديد، وظلم بين؛ متى كان هذا الإنسان فاعلاً هذا العالم مع جهله بموضعه ومقداره ومكانه ومخرجه ومورده؟ وإنما هو كالهدف للخواطر، والمقنص للأفكار، فما لاءم طباعه وشاكه مزاجه ثبت، وما نافر نفسه ونافى جنسه ذهب، فكيف يكون فاعلاً لهذا النظر الذي لو وقع غيره موقعه لما فصل بينه وبينه؟ هيهات! البينة في معرفة الله تعالى عادلة، والشهادة قاطعة، والريبة زائلة، والهمة ساقطه، والمعارضة مرتفعة، والحق فيها ممدود، والسرادق مضروب الأطناب، مغشي المحل، والفطرة بها ناطقة، وإليها داعية، وإنما سنح ما سنح على وجه التطهير، وعلى سبيل التمحيص للنفس، وإلا فمن ذا الذي عبد غير الله فاطمأن مع معبوده؟ ومن هذا الذي نفاه فلم يستوحش؟ أم من هذا الذي اعترض عليه فلم يستوهل؟ أم من هذا الذي ميل فلم يمل إلى إثباته أكثر مما يميل إلى نفيه.
إن معرفتك بالله تابعة لمعرفته بك، وقد عرفك وعرفته، وإنما بقي عليك منك ما حجبك عنه بك، ومتى نقيت من أدرانك ومدانسك بمفارقة شهواتك، ومزابلة شبهاتك، وصفوت من كدرك بطهارة أسرارك، ومخالفة إرادتك، لاح لك المكون مجرياً للكون، وبدا لك الحق جارياً في كل عين، وغنيت في فقرك، واطمأننت في اضطرابك، وعززت في ذلك، وحرست في

الصفحة 238