كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 2)

نفسك، فإنها أسرع أعدائك إليك، وأغمضهم مدرجاً عليك. ولا تعرين هذا الفن من الألفاظ، فقد نقحت تنقيحاً يهدي إليك الإشارة وإن لم تصقل العبارة.
ما أخوفني - أيدك الله - أنك قد مللت هذا الفن وعفته، وأصبته كريهاً في نفسك، وبعيد الملحظ بعينك.
واعلم أن العلم لا يبدو إليك، والفضل لا ينجلي لك، والمجد لا يكلف بك، والصيت لا يعظم عليك، نعم والعمل لا ينقاد لك، والفاقة لا تنفى عنك، ورضا الله لا يجاد به لك، وناره لا ترد برداً عليك، وجنته لا تزدلف إليك، حتى تقف همتك على العلم، وتصرف نهمتك إليه، وتجعله ملهاة لطربك، ومسلاة لحربك، ومنتجعاً لعقلك، ومستمداً لفضلك، وحتى ترى أن ختامك في الموت عليه، واستراحتك في التعب به، حتى تؤثره على ثوبك الناعم، وبدنك الممتع، ومشربك الروي، ومطعمك الشهي، وجاريتك الحسناء، ودارك القوراء، وابنة عمك الموافقة، وعقارك المغل، وصنيعتك الرائعة، وفرسك الجواد، ودرتك اليتيمة، وحديقتك المنورة.
فاستعن الله في خافي أمرك وباديه، وفي فروعه وأواخيه، فإنه مالك الأمور، ومقلب القلوب، والجالب لكل خير، والصارف لكل شر، بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
وقد بقيت طائفة كبيرة من المسائل، وكان تقديري أنها تتم في هذا الجزء، لكنها شرست علي والتبست، وبان عجزي بها، واختلط تدبري فيها، والمعذرة إليك إن تفضلت بالقبول، وأحسنت التأويل، أو قاربت في التقريع والتأنيب، فعرضي عرضك، وما أطرد على اطرد عليك، ولو انفردت بالإساءة

الصفحة 239