كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

رضي الله عنها لورقة بن نوفل: " اسمع من ابن أخيك " مع أنه ليس بعمه، وإنما نسبته إليه إمّا لإثارة العطف والحب عليه قي نفس ورقة، أو لتوقير ورقة واحترامه لكبر سنه. وما كان من ورقة إلاّ أن قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا ابن أخي ماذا ترى؟ " تعبيراً عما يكنه له من عطف ومحبة، حتى أنه ينزله من نفسه منزلة ابن أخيه، وهذا ما أراد مروان من قوله " مالك ولابن أخيك "؟ أي ماذا فعلت مع ابن صديقك الذي هو بمنزلة أخيك " قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره " من جدار أو أسطوانة أو نحوها " فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه " أي فإنه مأمور شرعاً بدفعه ومنعه " فإن أبي فليقاتله " أي أنه يمنعه أولاً بالإشارة، ثم يرده رداً لطيفاً فإن لم يمتنع فإنه يدفعه دفعاً شديداً. إذ ليس معناه المقاتلة الحقيقية " فإنّما هو شيطان " من شياطين الإنس. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود. والمطابقة: في قوله: " فليدفعه ".
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: مشروعية أن يرد المصلي من يمر بين يديه وأنه مأمور بذلك بمقتضى قوله - صلى الله عليه وسلم - " فليدفعه " حيث أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بدفعه، والأمر هنا للندب عند الجمهور، حيث قالوا: يستحب له دفعه، وحمل أهل الظاهر الأمر على أصله وهو الوجوب، فقالوا: يجب على المصلى مدافعة المار، قال القرطبي: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح. اهـ. وذلك لما تقتضيه الصلاة من الخشوع والإقبال على الله. اهـ. كما أفاده في سبل السلام (¬1). ثانياً: مشروعية اتخاذ السترة وهي سنة عند أحمد ومستحبة عند الجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الباب: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره " ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر " لا تصل إلاّ إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديه " صححه الحاكم. ثالثاً: تحريم المرور بين يدى المصلي إذا كان
¬__________
(¬1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 1.

الصفحة 56