كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 2)
يكن وصل وياء أو كسرة فالضم باتفاق، وقوله تعالى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ الإخوة يحطون الأم إلى السدس ولا يأخذونه، أشقاء كانوا أو للأب أو للأم، وقال من لا يعد قوله إلا في الشذوذ: إنهم يحطون ويأخذون ما يحطون لأنفسهم مع الأب، روي عن ابن عباس، وروي عنه خلافه مثل قول «السدس» الذي يحجبون «الأم» عنه، قال قتادة: وإنما أخذه الأب دونهم، لأنه يمونهم، ويلي نكاحهم، والنفقة عليهم، هذا في الأغلب، ومجمعون على أن أخوين فصاعدا يحجبون الأم عنه، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس، أن الأخوين في حكم الواحد، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة. واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتضي أنها جمع، وذكر المفسرون أن العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية، كما قال تعالى: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ [الأنبياء: ٧٨] وكقوله في آية الخصم إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا [ص: ٢١، ٢٢] وكقوله: وَأَطْرافَ النَّهارِ [طه: ١٣٠] واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك، إذ معك في الأولى- يحكمان- وفي الثانية- إن هذا أخي، وأيضا فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم، وقد يتسور مع الخصم غيرهما فهم جماعة، وأما «النهار» في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع، ولا يحمل على التثنية، لأن اللفظ مالك للمعنى وللبنية حق، وذكر بعض من احتج لقول عبد الله بن عباس: أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد، كبناء الإفراد وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد فلا يصح أن يدخل هذا على هذا، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي- «يوصي» - بإسناد الفعل إلى الموروث، إذ قد تقدم له ذكر، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر، «يوصى» بفتح الصاد ببنية الفعل للمفعول الذي لم يسّم فاعله، وقرأ الحسن بن أبي الحسن، «يوصّى» بفتح الصاد وتشديدها، وكل هذا في الموضعين، وقرأ حفص عن عاصم في الأولى بالفتح، وفي الثانية بالكسر، وهذه الآية إنما قصد بها تقديم هذين الفعلين على الميراث، ولم يقصد بها ترتيبهما في أنفسهما، ولذلك تقدمت الوصية في اللفظ، والدين مقدم على الوصية بإجماع، والذي أقول في هذا: إنه قدم الوصية إذ هي أقل لزوما من الدين، اهتماما بها وندبا إليها، كما قال تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: ٤٩] وأيضا قدمها من جهة أنها مضمنها الوصية التي هي كاللازم يكون لكل ميت، إذ قد حض الشرع عليها، وأخر الدين لشذوذه، وأنه قد يكون ولا يكون، فبدأ بذكر الذي لا بد منه، ثم عطف بالذي قد يقع أحيانا، ويقوي هذا كون العطف ب أَوْ، ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو، وقدمت الوصية أيضا إذ هي حظ مساكين وضعاف وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة، وهو صاحب حق له فيه، كما قال عليه السلام إن لصاحب الحق مقالا وأجمع العلماء على أن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث، واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث، وأن يغض الناس إلى الربع.
الصفحة 17
565