كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 2)
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، كَذَا قَالَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَأَبِي سِنَانٍ وَالسُّدِّيِّ، نَحْوَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لِسَانِهِ.
وَقَدْ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قَالَ: لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنْ حَقَّ تُقاتِهِ أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَيَقُومُوا بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَآبَائِهِمْ وأبنائهم.
وقوله تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ حَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ قَدْ أَجْرَى عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ أَنَّهُ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بُعِثَ عَلَيْهِ، فَعِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ مَعَهُ مِحْجَنٌ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ عِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا الزَّقُّومُ؟» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ «لَا يَمُوتَنَّ «4» أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ به.
__________
(1) مسند أحمد 1/ 301.
(2) مسند أحمد 2/ 192.
(3) مسند أحمد 3/ 513.
(4) في المسند «ألا لا يموتن» .
الصفحة 75