كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 2)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» ، وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يقول الله: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ وَأَحْسَبُهُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَرِيضًا، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَافَقَهُ فِي السُّوقِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ «كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ» ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» ، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرَ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ مُرْسَلًا.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن لا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ (بَابُ كَيْفَ يَخِرُّ لِلسُّجُودِ) ، ثُمَّ سَاقَهُ مِثْلَهُ فقيل: معناه أن لا أموت إلا مسلما، وقيل: معناه أن لا أُقْتَلَ إِلَّا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ وَهُوَ يَرْجِعُ إلى الأول.
وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا قِيلَ بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ بِعَهْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ في الآية بعدها ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آلِ عِمْرَانَ: 112] أَيْ بِعَهْدٍ وَذِمَّةٍ، وَقِيلَ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ «هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ» .
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ خَاصٌّ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ «3» :
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» .
وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حبل الله المتين، وهو النور المبين،
__________
(1) مسند أحمد 2/ 391.
(2) مسند أحمد 3/ 402.
(3) تفسير الطبري 3/ 379.
الصفحة 76