كتاب تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي (اسم الجزء: 2)

صاروا أنجم الدنيا مثل أبي علي الثقفي وأبي بكر بن إسحاق الصبغي خليفة ابن خزيمة في الفتوى وأحسن الجماعة تصنيفا وسياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان وهو آدابهم وأكثرهم جمعا للعلوم، وأبي محمد يحيى بن منصور وكان من أكابر البيوتات وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء، فلما ورد منصور الطوسي كان يختلف إلى ابن خزيمة للسماع وهو معتزلي وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام وينهى عنه وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري، فإنهم على مذهب الكلابية؛ فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بينهم.
قال الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله أن الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته هو وجماعة من أصحابه جهلا منهم فسألوه أن يعمل ضيافة وكانت لابن خزيمة بساتين نزهة فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها. وقال: وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي أن الضيافة كانت في جمادى الأولى سنة تسع وكانت لم يعهد مثلها، عملها من ابن خزيمة فأحضر جملة من الأغنام والحملان وأعدال السكر والفرش والآلات والطباخين ثم تقدم إلى جماعة من المحدثين من الشبان والشيوخ فاجتمعوا بجنزرود وركبوا منها وتقدمهم أبو بكر بن خزيمة يخرق الأسواق سوقا سوقا يسألهم أن يجيبوه ويقول: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم فكانوا يجيئون فوجا فوجا حتى لم يبق كبير أحد في البلد والطباخون يطبخون وجماعة من الخبازين يخبزون حتى حمل جميع ما وجدوا أيضا في البلد من الخبز والشواء على البغال والجمال والحمير، والإمام قائم يجري أمر الضيافة على أحسن ما يكون حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها. فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال: لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا ليلة عند بعض أهل العلم وجرى ذكر كلام الله أقديم لم يزل أو يثبت عند إخباره تعالى إلى البغال والجمال والحمير، فأتى الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة وأخبروه بذلك حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية؟ وهذا مذهبهم. فجمع ابن خزيمة أصحابه وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.
وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال: لم يزل الطوسي بأبي بكر حتى

الصفحة 210