كتاب تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ للذهبي (اسم الجزء: 2)

جرأه على أصحابه، وكان أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه ويحضران مجلس أبي علي الثقفي فيقرءون ذلك على الملأ حتى استحكمت الوحشة، سمعت أبا سعيد عبد الرحمن ابن أحمد المقرئ سمعت ابن خزيمة يقول: إن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ومن قال: شيء منه مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعد ما تكلم به في الأزل، أو يقول إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو يقول إن القرآن محدث فهو جهمي، ومن نظر في كتبي بأن له الكلابية لعنهم الله كذبة في ما يحكون عني -إلى أن قال: وقد صح عندي أن الثقفي والصبغي ويحيى بن منصور كذبة، قد كذبوا علي في حياتي فمحرم على مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي وأقولهم ما لم أقله.
سمعت محمد بن أحمد بن بالويه سمعت ابن خزيمة يقول: زعم بعض هؤلاء الجهلة أن الله لا يكرر الكلام فلا يفهمون كلام الله، أن الله قد أخبر في مواضع أنه خلق آدم وكرر ذكر موسى وحمد نفسه في مواضع وكرر {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ولم أتوهم مسلما يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين.
سمعت الصبغي يقول: لما اغتنموا السعي في فساد الحال انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط وقرر لأبي بكر اعترافا له بالقدم وبين له غرض المخالفين إلى أن وافقه على أن يجتمع عنده فدخلت أنا وابن أبي عثمان وأبو علي الثقفي فقال له أبو علي: ما الذي أنكرت من مذاهبنا أيها الأستاذ؟ حتى نرجع عنه، قال: ميلكم إلى الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد وعلى أصحابه كالحارث وغيره- حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا؛ فقلت: أنا قد جمعت أصول مذاهبنا في طبق- وأخرجته، فأخذه مني وتأمله ونظر فيه فقال: لست أرى ههنا شيئا لا أقول به، فسألته أن يكتب عليه بخطه أن ذلك مذهبه فكتب، فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ بهذا الخط حتى ينقطع الكلام ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه؛ ثم تفرقنا فما كان بأسرع من أن قصده فلان وفلان وقالا: إنك لم تتأمل ما كتب في ذلك الخط وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال؛ فقبل منهم فبعث إلى الحيري لاسترجاع خطه منه فامتنع عليه، ثم بعد موت أبي بكر رده اليري إلي وقد أوصيت أن يدفن معي فأحاجه بين يدي الله، وهو "القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته ليس شيء من كلامه مخلوقا ولا محدثا، فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع؛ وأقول إن الله لم يزل متكلما والكلام له صفة ذات، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة ولا يتكلم إلا ما تكلم به ثم انقضى كلامه كفر بالله، وأنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا، ومن زعم أن علمه ينزل أو

الصفحة 211