كتاب اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (اسم الجزء: 2)

(الثَّالِث) قوم تعمدوا الْكَذِب لَا لأَنهم أخطأوا وَلَا لأَنهم رووا عَنْ كَذَّاب فَهَؤُلَاءِ تَارَة يكذبُون فِي الْإِسْنَاد فيروون عَمَّن لَمْ يسمعوا مِنْهُ وَتارَة يسرقون الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا غَيرهم وَتارَة يضعون أَحَادِيث وَهَؤُلَاء الوضاعون انقسموا ثَمَانِيَة أَقسَام الأول الزَّنَادِقَة قصدُوا إِفْسَاد الشَّرِيعَة وإيقاع الشَّك فِيهَا فِي قُلُوب الْعباد والتلاعب بِالدّينِ كَعبد الْكَرِيم بْن أَبِي العوجاء وَبنت حَمَّاد وقَالَ ابْن عَدِيّ لما أَخَذَ ابْن أَبِي العوجاء أَتَى بِهِ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ فَأمر بِضَرْب عُنُقه فَقَالَ وَالله لقَدْ وضعت فِيكُم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أحرم فِيهَا الْحَلَال وَأحل فِيهَا الْحَرَام وَعَن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعْتُ الْمهْدي يَقُولُ أقرّ عِنْدِي رَجُل مِنَ الزَّنَادِقَة أَنَّهُ وضع أَرْبَعمِائَة حَدِيث فَهِيَ تجول فِي أَيدي النّاس وَقَدْ كَانَ فِي هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة منْ يغْفل الشَّيْخ فِي كِتَابه مَا لَيْسَ منْ حَدِيثه فيرويه ذَلِكَ الشَّيْخ ظنا مِنْهُ أَنَّهُ منْ حَدِيثه.
وقَالَ حَمَّاد بْن زَيْد وضعت الزَّنَادِقَة على رَسُول الله أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث.
الثَّانِي قوم كَانُوا يقصدون وضع الْحَدِيث نصْرَة لمذاهبهم وَهَذَا مَذْكُور عَنْ قوم مِنَ السالمية عَنْ عَبْد اللَّه بن يزِيد الْمقري قَالَ رَجَعَ رَجُل منْ أَهْل الْبدع عَنْ بدعته فَجعل يَقُولُ انْظُرُوا هَذَا الْحَدِيث عَمَّن تأخذونه فَإنَّا كُنَّا إِذا تراءينا رَأيا جعلنَا لَهُ حَدِيثا.
وَعَن ابْن لَهِيعَة قَالَ سَمِعْتُ شَيخا مِنَ الْخَوَارِج تَابَ وَرجع فَجعل يَقُولُ إِن هَذِهِ الْأَحَادِيث دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرناه حَدِيثا وَعَن حَمَّاد بْن سَلَمَة قَالَ حَدَّثَنِي شيخ لَهُم يَعْنِي الرافضية قَالَ كُنَّا إِذا استحسنا شَيْئا جَعَلْنَاهُ حَدِيثا وقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه كَانَ مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الطائكاني منْ رُؤَسَاء المرجئة يضع الْحَدِيث عَلَى مَذْهَبهم وَعَن أَبِي أَنَس الْحَرَّانِي قَالَ قَالَ الْمُخْتَارِ لرجل منْ أَصْحَاب الْحَدِيث ضع لي حَدِيثا عَنِ النَّبِيّ أَنَّهُ كَائِن بعده خَليفَة مطالبًا لَهُ بترة وَلَده وَهَذِه عشرَة آلَاف دِرْهَم وخلعة ومركوب وخادم فَقَالَ لَهُ الرجل أما عَنِ النَّبِي فَلَا وَلَكِن اختر منْ شِئْت مِنَ الصَّحَابَة وَحط لي مِنَ الثّمن مَا شِئْت قَالَ عَنِ النَّبِي أوكد وَالْعَذَاب عَلَيْه أَشد الثَّالِث قوم وضعُوا الْأَحَادِيث فِي التَّرْغِيب والترهيب ليحثوا النّاس بزعمهم عَلَى الْخَيْر ويزجروهم عَنِ الشَّرّ وَهَذَا يغلظ عَلَى الشَّرِيعَة ومضمون فعلهم أَن الشَّرِيعَة نَاقِصَة وتحتاج إِلَى تَتِمَّة فقد أتممناها عَنْ أبي عَبْد اللَّه النهاوندي قَالَ قُلْتُ لغلام خَلِيل هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي تُحَدِّث بهَا مِنَ الرَّقَائِق فَقَالَ وضعناها لنرقق بهَا قُلُوب الْعَامَّة.
وَعَن أَبِي جَعْفَر التفري قَالَ لما حدَّث غُلَام خَلِيل عَنْ بَكْر بْن عِيسَى عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة قُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه إِن هَذَا الرجل قديم الْوَفَاة وَلَمْ تلْحقهُ وَلَا منْ فِي سنك فَكيف فِي هَذَا وَقلت لَهُ أحسبك سَمِعْتُهُ منْ رَجُل يُقَالُ لَهُ بَكْر بْن عِيسَى غَيْر هَذَا فَسكت وافترقنا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَد قَالَ يَا أَبَا جَعْفَر علمت أَنِّي نظرت البارحة فِيمَن سَمِعْتُ مِنْهُ بِالْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ بَكْر بْن عِيسَى فوجدتهم سِتِّينَ رَجُلًا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ غُلَام خَلِيل كَانَ يتزهد ويهجر شهوات الدُّنْيَا يتقوت الباقلاء صرفا وغلقت أسواق

الصفحة 389