كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 103 """"""
الخشوع ممنوع لأنه إن كان ذلك من جهة الفكر في أداء تلك الهيئة فجميع هيئات الأداء كذلك، والفكر في أداء ألفاظ القرآن على الهيئة التي أنزل عليها لا ينافي الخشوع لأنه من أمور العبادة والدين، وإنما ينافي الخشوع الفكر في الأمور الدنيوية لا الدينية ولا الأخروية نصوا عليه ثم إن المكروه عند الأصوليين من قسم القبيح كما أن المندوب عندهم من قسم الحسن ولا يوصف شيء من القرآن بالقبح) فإن قال قائل (: قد ذهب جماعة إلى أن بعض القرآن أفضل من بعض. قلنا: مع اتفاقهم على أن الكل يقرأ ولا يقول أحد بأن غير الأفضل تكره قراءته هذا لا يتوهمه أحد، ثم إن قراءة القرآن بالأحرف الثابتة في السبعة فرض كفاية بالإجماع فكيف يتخيل أن يوصف ما هو فرض كفاية بأنه مكروه ثم تبين أن هذا النقل لا وجود له وأن الذي نقله القرافي في الذخيرة وكره مالك الترقيق، والتفخيم، والروم، والاشمام في الصلاة لأنها تشغل عن أحكام الصلاة، وليس المراد بهذه الكراهة التي هي أحد أقسام الأحكام الخمسة التي يصفها الأصوليون بأنها داخلة في قسم القبيح كالحرام، بل الكراهة في كلام الأئمة المجتهدين كمالك، والشافعي لها إطلاقان: أحدهما هذا ويعبر عنها بالكراهة الشرعية. والآخر بمعنى أن المجتهد أحب واختار أن لا يفعل ذلك من غير إدخاله في قسم المكروه الذي هو من نوع القبيح، ويعبر عن هذه بالكراهة الإرشادية وهذه الكراهة لا ثواب في تركها ولا قبح في فعلها، وقد ذكر أصحابنا ذلك في قول الشافعي: وأنا أكره المشمس من جهة الطب، فاختلفوا هل هذه الكراهة شرعية يثاب فيها أو إرشادية لا ثواب فيها؟ على وجهين. وقال الشافعي: وأنا أكره الإمامة لأنها ولاية وأنا أكره سائر الولايات، فليس مراد الشافعي بذلك الكراهة التي هي أحد أقسام الحكم الخمسة الداخلة في قسم القبيح، كيف والإمامة فرض كفاية لأن بها تنعقد الجماعة التي هي فرض كفاية، والرافعي يقول إنها أفضل من الأذان وفي كل منهما فضل وذلك مناف للكراهة قطعاً، وإنما مراد الشافعي أنه لا يحب الدخول فيها ولا يختاره للمعنى الذي ذكره فهي كراهة إرشادية لا شرعية، فلو فعلها لم يوصف فعله بقبح بل هو آت بعبادة فيها فضل إجماعاً، إما فضل يزيد على فضل الأذان كما هو رأي الرافعي، أو ينقص عنه كما هو رأي النووي، ولو كانت الإمامة مكروهة كراهة شرعية لم يكن فيها فضل البتة لأن الكراهة والثواب لا يجتمعان وكذلك قول القرافي، وكره مالك ما ذكر معناه أنه أحب واختار أن لا يفعل ذلك للمعنى الذي ذكره فهو أمر إرشادي، وليس مراده الكراهة التي يدخل متعلقها في قسم القبيح معاذ الله هذا لا يظن بمن هو دون مالك بكثير فضلاً عن هذا الإمام الجليل إمام دار الهجرة وإمام أهل المشرق والمغرب رضي الله عنه وعنا به.

بلوغ المأمول في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلّم
بسم الله الرحمن الرحيم
[الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى].

الصفحة 103