كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 110 """"""
استدلاله فإن الاستدلال إنما يسوغ للمجتهد العالم بطريق الاستدلال أما غيره فما له، ولذلك قال الغزالي في كتاب التفرقة: [شرط المقلد] أن يسكت ويسكت عنه لأنه قاصر عن سلوك طريق الحجاج، ولو كان أهلاً له كان مستتبعاً لا تابعاً وإماماً لا مأموماً. وإن خاض المقلد في المحاجة فذلك منه فضول والمشتغل به ضارب في حديد بارد وطالب لإصلاح فاسد، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ هذه عبارة الغزالي، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: شرط المفتي أن يكون مجتهداً، وأما المقلد إذا أفتى فهو ناقل وحامل فقه ليس بمفت ولا فقيه بل هو كمن ينقل فتوى عن إمام من الأئمة ثم أطال القول في ذلك، والعجب من هذا المنكر استدلاله بآيات من القرآن وليس هو ممن أتقن علم المعاني والبيان الذي لا تعرف بلاغة القرآن وأساليبه إلا به، وذلك من شروط الاجتهاد والاستنباط، بل ولا أتقن واحداً من العلوم الخمسة عشر التي لا يجوز لأحد أن يتكلم في القرآن حتى يتقنها، والعجب من تصديه لذكر أدلة ولو أورد عليه أدلة معارضة لما ذكره لم يدر كيف يصنع فيها، وقد أردت أن أبسط القول في هذه المسألة بذكر أدلة القول الراجح والأجوبة عما عارضها فأقول: للعلماء في هذه المسألة قولان مشهوران حكاهما غير واحد من الإئمة، أحدهما: أنه يطلق الإسلام على كل دين حق ولا يختص بهذه الملة وبهذا أجاب ابن الصلاح والقول الثاني: أن الإسلام خاص بهذه الملة الشريفة ووصف المسلمين خاص بهذه الأمة المحمدية ولم يوصف به أحد من الأمم السابقة سوى الأنبياء فقط، فشرفت هذه الأمة بأن وصفت بالوصف الذي كان يوصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً، وهذا القول هو الراجح نقلاً ودليلاً لما قام عليه من الأدلة الساطعة، وقد خصت هذه الأمة من بين سائر الأمم بخصائص لم تكن لأحد سواها إلا للأنبياء [فقط] من ذلك الوضوء فإنه خصيصة بهذه الأمة ولم يكن أحد من الأمم يتوضأ إلا الأنبياء فقط في أشياء أخر.
أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن وهب بن منبه قال: إن الله أوحى إلى داود في الزبور يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد إلى أن قال: أمته أمة مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم.
وأخرج الغرياني في تفسيره عن كعب قال: أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النبي يقال له بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقال لهذه الأمة:) ما جعل عليكم في الدين من حرج (وقال:) لتكونوا شهداء على الناس (وقال:) ادعوني أستجب لكم (وأخرج أبو نعيم، والبيهقي كلاهما

الصفحة 110