"""""" صفحة رقم 117 """"""
عليه، وأعظم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعلم خلق الله بكتاب الله حيث نص على اختصاص الإسلام بأمته وذكر ذلك لليهودي مبيناً به تمييز أمته على سائر الإمم، فلولا أنه صلى الله عليه وسلّم فهم ذلك من الآيات الدالة عليه وعلم أن الآي الأخر لا تعارضها لم يقل ذلك، ولو كان يطلق على الأمم السابقة مسلمون لكان اليهودي يقول له وأمة موسى أيضاً مسلمون فلا مزية لأمتك عليهم، ومن العجب من يستدل بآيات القرآن وهو غير متضلع من الحديث، ومن المعلوم أن في القرآن المجمل والمبهم والمحتمل وكل من الثلاثة محتاج إلى السنة تبينه وتعينه وتوضح المراد منه، وقد قال عمر بن الخطاب: إنه سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال: اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاججهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين أنا أعلم بكتاب الله منهم في بيوتنا نزل قال: صدقت ولكن القرآن جمال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً، فخرج إليهم فحاجهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة. وقال يحيى بن أبي كثير: السنة قاضية على القرآن أي مبينة له ومفسرة. وقال الإمام فخر الدين: أنزل القرآن على قسمين محكم ومتشابه ليكون فيه مجال لكل ذي مذهب فينظر فيه جميع أرباب المذاهب طمعاً أن يجد كل فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته فيجتهدون في التأمل فيه، فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات، وبهذا الطريق يتخلص المبطل من باطله ويصل إلى الحق، ولو كان القرآن كله محكماً لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلاً لكل ما سوى ذلك المذهب، وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه، قال: وأيضاً إذا كان القرآن مشتملاً على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق التأويلات وترجيح بعضها على بعض، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة، والنحو، والمعاني، والبيان، وأصول الفقه، وغير ذلك، وفي ذلك مزيد مشقة في الوصول إلى المراد منه، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة، فلم يكن فيه مشقة توجب مزيد الثواب وكان يستوي في إدراك الحق منه الخواص والعوام هذا كلام الإمام فخر الدين.
قلت: فإذا كان كذلك فكيف يحل لمن لم يتيقن واحداً من العلوم المشترطة التكلم في القرآن وعدتها خمسة عشر أن يتجرأ على الاستدلال بآيات القرآن على حكم من الأحكام أو على أمر من الأمور جاهلاً بطريق الاستدلال عاجزاً عن تحصيل شروطه؟ ومثل هذا هو الذي ورد فيه الحديث: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) وفي رواية: (فقد كفر) والعجب أنه يعمد إلى الاستدلال بآيات مع قطع النظر عن معارضها وعن النظر فيها هل هي مصروفة عن ظاهرها أو لا؟ وقد أوجب أهل الأصول على المجتهد المستدل بآية أو حديث أن يبحث عن المعارض وجوابه وعن الذي استدل به هل معه قرينة تصرفه