كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 118 """"""
عن ظاهره ؟ وهذا نطح مع الناطحين من غير تأمل ولا مراعاة لشرط من الشروط ، فلو استحيا هذا الرجل من الله لوقف عند مرتبته وهي التقليد وترك الاستدلال لأهله ، قال الله تعالى : ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( وأولو الأمر هم المجتهدون كما قال ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وغيرهم : أولو الأمر هم أولو الفقه وأولو الخبر ، ولفظ مجاهد : هم الفقهاء والعلماء ، وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله تعالى : ) أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( قال : هم أهل العلم ألا ترى أنه يقول : ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( ومعلوم أن لفظ الفقهاء والعلماء إنما يطلق على المجتهدين ، وأما المقلد فلا يسمى فقيهاً ولا عالماً كما نص عليه أهل الفقه والأصول ، وامتناع إطلاق الفقيه والعالم على المقلد كامتناع إطلاق لفظ المسلم على اليهودي والنصراني خصوصية من الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فصل : ثم ظهر لي دليل ( حاد وعشرون ) وهو ما أخرجه أحمد وغيره عن عبد الله بن ثابت قال : ( جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً ، فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم إنكم حظي من الأم وأنا حظكم من النبيين ) هذا الحديث يدل على أن شريعة التوراة لا تسمى إسلاماً ، لأن عمر لما رأى غضب النبي صلى الله عليه وسلّم من كتابته جوامع من التوراة بادر إلى قوله رضينا بالإسلام ديناً ليبرىء نفسه من الرضا بشريعة التوراة واتباعها ، فلما قال ذلك سري عن النبي صلى الله عليه وسلّم لحصول المقصود من عمر وهو اقتصاره على شريعة الإسلام وإعراضه عن شريعة التوراة.
دليل ثان وعشرون : وهو قوله صلى الله عليه وسلّم لجبريل وقد سأله ما الإسلام ؟ فقال : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وتحج البيت ) زاد في رواية : ( وتغتسل من الجنابة ) وهذا صريح في أن الإسلام مجموع هذه الأعمال وهذا المجموع مخصوص بهذه الأمة ، فإن اللام في الصلاة المكتوبة للعهد وهي الخمس ولم تكتب الخمس إلا على هذه الأمة وصوم رمضان من خصائص هذه الأمة كما أخرجه ابن جرير عن عطاء ، والحج ، والغسل من الجنابة من خصائصها أيضاً كما تقدم في أثر وهب ، فدل على أن من لم يعمل هذه الأعمال لا يسمى مسلماً ، والأمم السابقة لم تعملها فلا يسمون مسلمين.
تحقيق : فإن قلت : ما تحرير المعنى في التخصيص بالتسمية ؟ قلت : فيه معان ، أحدها : أن الإسلام اسم للشريعة السمحة السهلة كما قال صلى الله عليه وسلّم : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) [ وقال : ( أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة ] وقال ابن عباس في قوله تعالى : ) ما جعل عليكم في الدين من حرج ( توسعة الإسلام ووضع الاصر الذي كان على بني إسرائيل ،

الصفحة 118