كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 126 """"""
تلك العقائد والأقوال الزائغة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى: ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر، لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجوداً في غير جهة، بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه انتهى.
قلت: مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة، بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعاً وإن جرى في المجسمة خلاف، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية: أما بعد فقد استعنت بالله وأجبتك إلى ما ابتغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة من أعلام المحققين من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق، وباشر الأحوال والطرائق، وساكن الرياض والحدائق، وفارق العوارض والعلائق، وتبرأ المتنطعين والمتعمقين، ومن أهل الدعاوى من المتسوفين، ومن الكسالى والمتثبطين المشبهين بهم في اللباس والمقال، والمخالفين لهم في العقيدة والفعال، وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل القطر والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار، والمباحية والحلولية الكفار، وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار. بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار.
وقال صاحب [كتاب] معيار المريدين: اعلم أن منشأ أغلاط الفرق التي غلطت في الاتحاد والحلول جهلهم بأصول الدين وفروعه وعدم معرفتهم بالعلم، وقد وردت الأحاديث والآثار بالتحذير من عابد جاهل، فمن لا يكون له سابقة علم لم ينتج ولم يصح له سلوك، وقد قال سهل بن عبد الله التستري: اجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس: الجبابرة الغافلين، والقراء المداهنين، والمتصوفة الجاهلين، فافهم ولا تغلط فإن الدين واضح قال: واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد، فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشاراتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك، والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال، فإن رجلين مثلاً لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم، فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم، فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً باجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته، وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أنفسهم وإثبات الحق سبحانه، قال: وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات، وفناء حظوظ النفس من

الصفحة 126