كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 130 """"""
ذلك الفعل وميله إليه ورضاه به الذي هو مخلوق لله تعالى أيضاً لا على وجه الإكراه والإلجاء إليه.
والحاصل أن الله تعالى خلق للعبد قدرة بها يميل ويفعل ، فالخلق من الله والميل والفعل من العبد صادران عن تقدير الله له ذلك فهما أثر الخلق والقدرة ، فالاختيار المنسوب للعبد المفسر بما ذكرناه أثر الاختيار المنسوب إلى الله تعالى فافترقا ، ولا إنكار في ذلك ولا معارضة فيه للآية وبهذا يتميز أهل السنة عن أهل القدر ، والجبر معاً ، قال الأصبهاني في تفسيره عند قوله تعالى : ) ونمدهم في طغيانهم ( اعلم أن كل فعل صدر من العبد بالاختيار فله اعتباران إن نظرت إلى وجوده وحدوثه وما هو عليه من وجوه التخصيص فانسب ذلك إلى قدرة الله وإرادته لا شريك له ، وإن نظرت إلى تميزه عن القسري الضروري فانسبه من هذه الجهة إلى العبد وهي النسبة المعبر عنها شرعاً بالكسب في قوله تعالى : ) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( وقوله : ) بما كسبت أيديهم ( وهي المحققة أيضاً إذا عرضت في ذهنك الحركتين الاضطرارية كالرعشة والاختيارية فإنك تميز بينهما لا محالة بتلك النسبة ، فإذا تقرر تعدد الاعتبار فمدهم في الطغيان مخلوق لله تعالى فأضافه إليه ، ومن حيث كونه واقعاً منهم على وجه الاختيار المعبر عنه بالكسب إضافه إليهم انتهى ، وقال في موضع آخر منه : صفة الإرادة للعبد هي القصد.
فهذا تحرير مذهب أهل السنة ، وحاصله أن الاختيار المنسوب إلى العبد هو قصده لذلك الفعل وتوجهه إليه برضا منه وإرادة له وكونه لم يفعله بإلجاء ولا إكراه ولا قسر فتأمل ذلك وافهم ترشد.
مسألة : هل العقل أفضل من العلم الحادث أم العلم ؟.
الجواب : هذه المسألة اختلف فيها العلماء ورجحوا تفضيل العلم ، لأن الباري تعالى يوصف بصفة العلم ولا يوصف بصفة العقل ، وما ساغ وصفه تعالى به أفضل مما لم يسغ ، وإن كان العلم الذي يوصف به تعالى قديماً ووصفنا حادث فإن الباري لا يوصف بصفة العقل أصلاً ولا على جهة القدم ، ومن الأدلة على تفضيل العلم أن متعلقه أشرف ، وأنه ورد بفضله أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة ولم يرد في فضل العقل حديث وكل ما يروى فيه موضوع كذب ، وكان شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يقول : العقل أفضل باعتبار كونه [ أقرب إلى الإفضاء إلى معرفة الله وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه ] منبعاً للعلم وأصلاً له ، وحاصله أن فضيلة العلم بالذات وفضيلة العقل بالوسيلة للعلم.

الصفحة 130