كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 133 """"""
خاصة، وقولك: وتحضر صلاة الجمعة إنما حضرت لكتابة الحاضرين على طبقات مجيئهم وذلك من التكليفات الكونية التي هي وظيفة الملائكة لا الشرعية التي بعثت بها الرسل، هذا آخر الجواب الجدلي. وأما الجواب التحقيقي فاعلم أن العلماء اختلفوا في بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الملائكة على قولين: أحدهما أنه لم يكن مبعوثاً إليهم وبهذا جزم الحليمي، والبيهقي كلاهما من أئمة أصحابنا. ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب وهو من أئمة الحنفية. ونقل البرهان النسفي، والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه، وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح. والشيخ جلال الدين المحلى في شرح جمع الجوامع. وتبعتهما في كتابي شرح التقريب في الحديث، وشرح الكوكب الساطع في الأصول، والقول الثاني أنه كان مبعوثاً إليهم وهذا القول رجحته في كتاب الخصائص، وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه صلى الله عليه وسلّم مرسل إلى جميع الأنبياء والأمم السابقة، وأن قوله: (بعثت إلى الناس كافة) شامل لهم من لدن آدم إلى قيام الساعة، ورجحه أيضاً البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات، واستدل بشهادة الضب له بالرسالة وشهادة الحجر والشجر له وأزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه.
ذكر الأدلة التي أخذت منها إرساله إلى الملائكة
هي قسمان: ما يدل بطريق العموم، وما يدل بطريق الخصوص. فالذي يدل بطريق العموم قوله تعالى:) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً (والعالمون شامل للملائكة كما هو شامل للإنس، والجن وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى:) الحمد لله رب العالمين (شامل لهؤلاء الثلاثة فكذلك هذا، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على إخراج شيء منه، ولم يدل هنا دليل على إخراج الملائكة، ولا سبيل إلى وجوده لا من القرآن ولا من الحديث، وقد نوزع من ادعى الإجماع في هذه الدعوى فمن أين تخصيصه بالإنس والجن فقط دون الملائكة؟. وكذا قوله تعالى:) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (فإنه أيضاً شامل للملائكة.
وذكر صاحب الشفا أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لجبريل: (هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عليّ في القرآن بقوله:)) ذي قوة عند ذي العرش مكين (إلا أن هذا الحديث لم يوقف له على إسناد، وأما ما يدل بالخصوص فقد استنبطت أدلة لم اسبق إليها: الدليل الأول وهو أقواها قوله تعالى:) وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون (يعني الملائكة) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشقفون (ثم قال:) ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم (.

الصفحة 133