"""""" صفحة رقم 137 """"""
مرسلاً إليهم. وقد أخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار أن آدم أوصى ابنه شيت فقال : كلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ، ثم أني طرفت فلم أر في السماء موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، ولم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين ، وعلى ورق قصب آجام الجنة ، وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة ، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها ، فهذا يدل على أنه نبي الملائكة حيث لم تغفل عن ذكره ، واستفدنا من هذا الأثر فائدة لطيفة وهو أنه صلى الله عليه وسلّم أرسل إلى الحور العين والولدان ، ووضح بذلك أنه لم يدخل الجنة أحد ولم يستقر بها ممن خلق فيها إلا من آمن به صلى الله عليه وسلّم ، ولعل من جملة فوائد الإسراء ودخوله إلى الجنة تبليغ جميع من في السموات من الملائكة ومن في الجنان من الحور والولدان ومن في البرزخ من الأنبياء رسالته ليؤمنوا به ويصدقوه مشافهة في زمنه بعد أن كانوا مؤمنين به قبل وجوده.
الدليل التاسع : قد صرح السبكي في تأليف له بأنه صلى الله عليه وسلّم أرسل إلى جميع الأنبياء آدم فمن بعده وأنه صلى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسوله إلى جميعهم واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلّم : ( كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد ) وقوله صلى الله عليه وسلّم : بعث إلى الناس كافة ، قال : ولهذا أخذ الله المواثيق له على الأنبياء كما قال الله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ( قلت : أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : لم يبعث نبي قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه ليؤمنن بمحمد. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : لم يزل الله يتقدم في النبي صلى الله عليه وسلّم إلى آدم فمن بعده ولم تزل الأمم تتباشر به وتستفتح به.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ، قال السبكي : عرفنا بالخبر الصحيح حصول الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى الله عليه وسلّم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم أنه نبيهم ورسولهم وفي أخذ المواثيق وهي في معنى الاستخلاف ولذلك دخلت لام القسم في لتؤمنن به ولتنصرنه.
لطيفة أخرى : وهي كأنها إيمان البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هنا فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلى الله عليه وسلّم من ربه ، فإذا عرفت ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلّم هو نبي الأنبياء ولهذا ظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم ، ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم