"""""" صفحة رقم 138 """"""
اتصافه بما يقتضيه ، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل ، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى الله عليه وسلّم الشريفة وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه ، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك. ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته ويتعلق به ما فيها من أمر ونهي كما يتعلق بسائر الأمة وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء ، وكذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلّم في زمانه أو في زمان موسى ، وإبراهيم ، ونوح ، وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم والنبي صلى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم ، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول لأنها لا تختلف وتقدم شريعته فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النسخ أو لا نسخ ولا تخصيص ، بل تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلّم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياؤهم ، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة ، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات ، انتهى كلام السبكي قلت : ويدل لكونه مرسلاً إلى الأنبياء ما ورد من حديث عبادة بن الصامت ، وجابر بن عبد الله مرفوعاً ( كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فهذا فيه إشارة إلى أنهم من أتباعه ، وهذا التقرير الذي قرره السبكي قد أشار إليه الشرف البوصيري وقد مات قبل مولد السبكي بقوله في البردة :
وكل آي أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها
يظهرون أنوارها للناس في الظلم
إذا تقرر أنه صلى الله عليه وسلّم كان نبي الأنبياء ورسولاً إليهم وقد قامت الأدلة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة لزم أن يكون مرسلاً إلى الملائكة وأن يكونوا من جملة أتباعه بطريق الأولى.
الدليل العاشر : أنه صلى الله عليه وسلّم أعطى من الملائكة أموراً لم يعطها أحد من الأنبياء ، منها قتالهم معه ، ومنها مشيهم خلف ظهره إذا مشى ، وذلك يدل على أنهم من جملة أتباعه وداخلون في شرعه ، ومن كلام الرافعي في خطبة المحرر : واخدمته الملائك ، وقال ابن عباس في قوله تعالى : ) له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( هذه للنبي صلى الله عليه وسلّم خاصة والمعقبات الملائكة يحفظون محمداً صلى الله عليه وسلّم أخرجه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، ومنها ما ورد في الحديث : ( أن الله أيدني بأربعة وزراء إثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر ) والوزير من أتباع الملك ضرورة فجبريل وميكائيل رؤوس أهل ملته من الملائكة ، كما أن أبا بكر وعمر رؤوس أهل ملته من بني آدم ، ومنها أنه لما مات صلى الله عليه وسلّم صلى عليه الملائكة بأسرهم لم يتخلف منهم أحد ولم يقع ذلك لغيره من الأنبياء ؛ ومنها أن الملائكة يسألون الموتى في قبورهم عنه صلى الله عليه وسلّم ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء سواه. ومنها أن الملائكة تحضر أمته إذا قاتلت العدو في سبيل الله لنصرة دينه وهذه خصيصة مستمرة إلى يوم القيامة ، ومنها أن جبريل عليه السلام يحضر من مات من أمته ليطرد عنه الشيطان في