"""""" صفحة رقم 142 """"""
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي : الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السموات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى موسى عليه السلام في قبره ، قال : وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ، قال : ولا ينكر ذلك إلا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر.
فصل : وأما الحديث الآخر فأخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه. والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام ، ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة وقد تأملته ففتح علي في الجواب عنه بأوجه : الأول : وهو أضعفها أن يدعي أن الراوي وهم في لفظة من الحديث حصل بسببها الإشكال وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة ولكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى. الثاني : وهو أقواها ولا يدركه إلا ذو باع في العربية أن قوله رد الله جملة حالية وقاعدة العربية أن جملة الجال إذا وقعت فعلاً ماضياً قدرت فيها قد كقوله تعالى : ) أو جاءُوكم حصرت صدورهم ( أي قد حصرت وكذا تقدر هنا والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد وحتى ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه ، وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال وظن أن حتى تعليلية وليس كذلك ، وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله وأيده من حيث المعنى أن الرد ولو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة ، وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران : أحدهما تأليم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم ، والآخر مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ والنبي صلى الله عليه وسلّم أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة ، ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل ، ومحذور رابع وهو مخالفة الأحاديث المتواتر السابقة وما خالف القرآن والمتواترة من السنة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلاً فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه ، الوجه الثاني : أن يقال أن لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام : ) قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم ( أن لفظ العود أريد به مطلق الصيرورة لا العود بعد انتقال لأن شعيباً عليه السلام لم يكن في ملتهم قط ، وحسن استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث