"""""" صفحة رقم 144 """"""
الوصايا عن قيس بن قبيصة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى، قيل: يا رسول الله وهل تتكلم الموتى؟ قال نعم ويتزاورون).
وقال الشيخ تقي الدين السبكي: حياة الأنبياء، والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسداً حياً، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى طعام والشراب. وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى انتهى، وأما العقل فلأن الحبس عن النطق في بعض الأوقات نوع حصر وتعذيب ولهذا عذب به تارك الوصية والنبي صلى الله عليه وسلّم منزه عن ذلك، ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلاً بوجه من الوجوه كما قال لفاطمة رضي الله عنها في مرض وفاته: (لا كرب على أبيك بعد اليوم) وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذبين لا يحصرون بالمنع من النطق فكيف به صلى الله عليه وسلّم، نعم يمكن أن ينتزع من كلام الشيخ تاج الدين جواب آخر ويقرر بطريق أخرى وهو أن يراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة على حد ما قررته في الوجه الثالث ويكون في الحديث على هذا مجازان: مجاز في لفظ الرد، ومجاز في لفظ الروح، فالأول استعارة تبعية، والثاني مجاز مرسل، وعلى ما قررته في الوجه الثالث يكون فيه مجاز واحد في الرد فقط، ويتولد من هذا الجواب آخر وهو أن تكون الروح كتابة عن السمع، ويكون المراد أن الله يرد عليه سمعه الخارق للعادة بحيث يسمع المسلم وأن بعد قطره ويرد عليه من غير احتياج إلى واسطة مبلغ، وليس المراد سمعه المعتاد وقد كان له صلى الله عليه وسلّم في الدنيا حالة يسمع فيها سمعاً خارقاً للعادة بحيث كان يسمع أطيط السماء كما بينت ذلك في كتاب المعجزات، وهذا قد ينفك في بعض الأوقات ويعود لا مانع منه وحالته صلى الله عليه وسلّم في البرزخ كحالته في الدنيا سواء.
وقد يخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد سمعه المعتاد ويكون المراد برده إفاقته من الاستغراق الملكوتي وما هو فيه من المشاهدة فيرده الله تلك الساعة إلى خطاب من سلم عليه في الدنيا، فإذا فرغ من الرد عليه عاد إلى ما كان فيه، ويخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد برد الروح التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات، والدعاء بكشف البلاء عنهم، والتردد في أقطار الأرض لحلول البركة فيها، وحضور جنازة من مات من صالح أمته، فإن هذه الأمور من جملة أشغاله في البرزخ كما وردت بذلك الأحاديث والآثار، فلما كان السلام عليه من أفضل الأعمال وأجل القربات اختص المسلم عليه بأن يفرغ له من أشغاله المهمة لحظة يرد عليه فيها تشريفاً له ومجازاة فهذه عشرة أجوبة كلها من استنباطي، وقد قال الجاحظ: إذا نكح الفكر الحفظ ولد العجائب، ثم ظهر لي جواب حادي عشر وهو أنه ليس المراد بالروح روح الحياة بل الارتياح كما في قوله تعالى:) فروح وريحان (فإنه قرىء فروح بضم الراء والمراد أنه صلى الله عليه وسلّم يحصل له بسلام المسلم عليه ارتياح وفرح وهشاشة لحبه ذلك