"""""" صفحة رقم 145 """"""
فيحمله ذلك على أن يرد عليه ، ثم ظهر لي جواب ثاني عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة الحادثة من ثواب الصلاة ، قال ابن الأثير في النهاية : تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معان والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وقد أطلق على القرآن ، والوحي ، والرحمة ، وعلى جبريل انتهى.
وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن الحسن البصري أنه قرأ قوله تعالى : ) فروح وريحان ( بالضم وقال : الروح الرحمة ، وقد تقدم في حديث أنس أن الصلاة تدخل عليه صلى الله عليه وسلّم في قبره كما يدخل عليكم بالهدايا والمراد ثواب الصلاة وذلك رحمة الله وإنعاماته ، ثم ظهر لي جواب ثالث عشر وهو أن المراد بالروح الملك الذي وكل بقبره صلى الله عليه وسلّم يبلغه السلام ، والروح يطلق على غير جبريل أيضاً من الملائكة ، قال الراغب : أشراف الملائكة تسمى أرواحاً انتهى ومعنى رد الله إلي روحي أي بعث إلي الملك الموكل بتبليغي السلام هذا غاية ما ظهر والله أعلم.
تنبيه : وقع في كلام الشيخ تاج الدين أمران يحتاجان إلى التنبيه عليهما ، أحدهما أنه عزا الحديث إلى الترمذي وهو غلط فلم يخرجه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود فقط كما ذكره الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف ، الثاني أنه أورد الحديث بلفظ رد الله علي وهو كذلك في سنن أبي داود. ولفظ رواية البيهقي رد الله إلي [ روحي ] وهي ألطف وأنسب فإن بين التعديتين فرقاً لطيفاً ، فإن رد يتعدى بعلى في الإهانة وبإلى في الإكرام قال في الصحاح : رد عليه الشيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطأه ، ويقول رده إلى منزله ورد إليه جواباً الراغب من الأول : قوله تعالى : ) بردوكم على أعقابكم ( ) ردوها علي ( ) ونرد على أعقابنا ( ومن الثاني : ) فرددناه إلى أمه ( ) ولئن رُددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً ( ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ( ) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق (.
فصل : قال الراغب : من معاني الرد التفويض ، يقال : رددت الحكم في كذا إلى فلان أي فوضته إليه ، قال تعالى : ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ( انتهى ، ويخرج من هذا جواب رابع عشر عن الحديث وهو أن المراد فوض الله إلي رد السلام عليه على أن المراد بالروح الرحمة والصلاة من الله الرحمة ، فكان المسلم بسلامه تعرض لطلب صلاة من الله تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً ) والصلاة من الله الرحمة ، ففوض الله أمر هذه الرحمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدعو بها للمسلم فتحصل إجابته قطعاً ، فتكون الرحمة الحاصلة للمسلم إنما هي ببركة دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له وسلامه عليه ، وينزل ذلك منزلة الشفاعة في قبول سلام المسلم والإثابة عليه ، وتكون الإضافة في روحي لمجرد الملابسة ، ونظيره قوله في حديث الشفاعة : ( فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ينتهي إلى محمد ) وفي حديث الإسراء : ( لقيت ليلة أسري بي إبراهيم