"""""" صفحة رقم 146 """"""
وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال: لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى).
والحاصل أن معنى الحديث على هذا الوجه إلا فوض الله إلي أمر الرحمة التي تحصل للمسلم بسببي فأتولى الدعاء بها بنفسي بأن أنطلق بلفظ السلام على وجه الرد عليه في مقابلة سلامه والدعاء له، ثم ظهر لي جواب خامس عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة التي في قلب النبي صلى الله عليه وسلّم على أمته والرأفة التي جبل عليها، وقد يغضب في بعض الأحيان على من عظمت ذنوبه أو انتهك محارم الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم سبب لمغفرة الذنوب كما في حديث: (إذن تكفي همك ويغفر ذنبك) فأخبر صلى الله عليه وسلّم أنه ما من أحد يسلم عليه وإن بلغت ذنوبه ما بلغت إلا رجعت إليه الرحمة التي جبل عليها حتى يرد عليه السلام بنفسه، ولا يمنعه من الرد عليه ما كان منه قبل ذلك من ذنب، وهذه فائدة نفيسة وبشرى عظيمة، وتكون هذه فائدة زيادة من الاستغراقية في أحد المنفى الذي هو ظاهر في الاستغراق قبل زيادتها نص فيه بعد زيادتها بحيث انتفى بسببها أن يكون من العام المراد به الخصوص.
هذا آخر ما فتح الله به الآن من الأجوبة وإن فتح بعد ذلك بزيادة ألحقناها والله الموفق عنه وكرمه، ثم بعد ذلك رأيت الحديث المسئول عنه مخرجاً في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ: (إلا وقد رد الله علي روحي) فصرح فيه بلفظ (وقد) فحمدت الله كثيراً وقوي أن رواية اسقاطها محمولة على إضمارها وأن حذفها من تصرف الرواة وهو الأمر الذي جنحت إليه في الوجه الثاني من الأجوبة، وقد عدت الآن إلى ترجيحه لوجود هذه الرواية فهو أقوى الأجوبة، ومراد الحديث عليه الأخبار بأن الله يرد إليه روحي بعد الموت فيصير حياً على الدوام حتى لو سلم عليه أحد رد عليه سلامه لوجود الحياة، فصار الحديث موافقاً للأحاديث الواردة في حياته في قبره، وواحداً من جملتها لا منافياً لها البتة بوجه من الوجوه ولله الحمد والمنة وقد قال بعض الحفاظ: لو لم نكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه وذلك لأن الطرق يزيد بعضها على بعض تارة في ألفاظ المتن، وتارة في الإسناد، فيستبين بالطريق المزيد ما خفي في الطريق الناقصة والله تعالى أعلم.
كتاب الإعلام بحكم عيسى عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد فقد ورد علي سؤال يوم الخميس سادس جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وثمانمائة صورته المسئول الجواب عما يذكر وهو أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان بماذا يحكم في هذه الأمة بشرع نبيناً أو بشرعه؟ وإذا قلتم إنه يحكم بشرع نبينا فكيف طريق حكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المتقررة أو باجتهاد منه؟ وإذا قلتم بمذهب من المذاهب الأربعة فبأي مذهب هو؟ وإذا قلتم