كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 147 """"""
بالاجتهاد فبأي طريق تصل إليه الأدلة التي يستنبط منها الأحكام أبالنقل الذي هو من خصائص هذه الأمة أو بالوحي؟ وإذا قلتم بالنقل فكيف طريق معرفته صحيح السنة من سقيمها أبحكم الحفاظ عليه أو بطريق آخر؟ وإذا قلتم بالوحي فأي وحي هو أوَحي إلهام أو بتنزيل ملك فإذا كان بالثاني فأي ملك وكيف حكمه في أموال بيت المال وأراضيه وما صدر فيها من الأوقاف أيقر ذلك على ما هو الآن أو يحكم فيه بغير ذلك؟.
وأقول: قد ورد علي هذا السؤال من مدة تقارب شهرين وذلك يوم الجمعة رابع عشري ربيع الأول من هذه السنة جاءني رجل من أهل العلم ممن أخذ العلم عن والدي فسألني عن أشياء من جملتها هذا السؤال وأجبته عنه بجواب مختصر، ومن جملة ما سألني عنه في ذلك المجلس قصة استحياء الملائكة من عثمان وأخرجت له في ذلك حديثين غريبين خرجتهما من تاريخ ابن عساكر وأوردتهما في كتاب تاريخ الخلفاء في ترجمة عثمان بن غفار رضي الله عنه، وها أنا ذاكر في هذه الأوراق جواب هذا السؤال على طريق البسط ذاكراً في كل كلمة أوردها مستندي فيها من الأحاديث والآثار وكلام العلماء، فقول السائل بماذا يحكم في هذه الأمة بشرع نبينا أو بشرعه؟ جوابه: أنه يحكم بشرع نبينا لا بشرعه، نص على ذلك العلماء ووردت به الأحاديث وانعقد عليه الإجماع، فمن جملة نصوص العلماء في ذلك قول الخطابي في معالم السنن عند ذكر حديث أن عيسى يقتل الخنزير: فيه دليل على وجوب قتل الخنازير وبيان أن أعيانها نجسة وذلك لأن عيسى عليه السلام إنما يقتل الخنزير على حكم شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم لأن نزوله إنما يكون في آخر الزمان وشريعة الإسلام باقية، ومن ذلك قول النووي في شرح مسلم: ليس المراد بنزول عيسى أنه ينزل بشرع ينسخ شرعنا ولا في الأحاديث شيء من هذا بل صحت الأحاديث بأنه ينزل حكماً مقسطاً يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما أخرجه أحمد، والبزار، والطبراني من حديث سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: (ينزل عيسى ابن مريم مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلّم وعلى ملته فيقتل الدجال ثم وإنما هو قيام الساعة). وأخرج الطبراني في الكبير، والبيهقي في البعث بسند جيد عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (يلبث الدجال فيكم ما شاء الله ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقاً بمحمد وعلى ملته إماماً مهدياً وحكماً عدلاً فيقتل الدجال). وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: ينزل عيسى ابن مريم فيؤمهم فإذا رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قتل الله الدجال وأظهر المؤمنين).
ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن عيسى يقول في صلاته يومئذ سمع الله لمن حمده وهذا الذكر في الاعتدال من خواص صلاة هذه الأمة كما ورد في حديث ذكرته في كتاب المعجزات والخصائص، وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: (يهبط المسيح ابن مريم فيصلي الصلوات ويجمع الجمعع) فهذا صريح في أنه ينزل بشرعنا لأن مجموع الصلوات

الصفحة 147