كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 148 """"""
الخمس وصلاة الجمعة لم يكونا في غير هذه الملة، وأخرج ابن عساكر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها؟).
وأخرج ابن عساكر أيضاً من حديث ابن عساكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟) وقول السائل: وإذا قلتم أنه يحكم بشرع نبينا فكيف طريق حكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المقررة أو باجتهاد منه؟ هذا السؤال عجب من سائله وأشد عجباً منه قوله فيه: بمذهب من المذاهب الأربعة فهل خطر ببال السائل أن المذاهب في هذه الملة الشريفة منحصرة في أربعة والمجتهدون من الأمة لا يحصون كثرة وكل له مذهب من الصحابة، والتابعين، واتباع التابعين وهلم جرا، وقد كان في السنن الخوالي نحو عشرة مذاهب مقلدة أربابها مدونة كتبها وهي الأربعة المشهورة. ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الأوزاعي، ومذهب الليث بن سعد، ومذهب إسحاق بن راهويه، ومذهب ابن جرير، ومذهب داود وكان لكل من هؤلاء أتباع يفتون بقولهم ويقضون وإنما انقرضوا بعد الخمسمائة لموت العلماء وقصور الهمم فالمذاهب كثيرة فلأي شيء خصص السائل المذاهب الأربعة؟ ثم كيف يظن بنبي أنه يقلد مذهباً من المذاهب والعلماء يقولون إن المجتهد لا يقلد مجتهداً، فإذا كان المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد فكيف يظن بالنبي أنه يقلد؟ فإن قلت: فتعين حينئذ القول بأنه يحكم بالاجتهاد قلت: لا لم يتعين ذلك فإن نبينا صلى الله عليه وسلّم كان يحكم بما أوحي إليه في القرآن ولا يسمى ذلك اجتهاداً كما لا يسمى تقليداً، والدليل على ذلك أن العلماء حكوا خلافاً في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلّم فلو كان حكمه بما يفهمه من القرآن يسمى اجتهاداً لم تتجه حكاية الخلاف.
فإن قلت: بين لنا طريق معرفة عيسى بأحكام هذه الشريعة. قلت: يمكن أن يقال في ذلك ثلاثة طرق:
الطريق الأول: أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد كانوا يعلمون في زمانهم بجميع شرائع من قبلهم ومن بعدهم بالوحي من الله تعالى على لسان جبريل، وبالتنبيه على بعض ذلك في الكتاب الذي أنزل عليهم، والدليل على ذلك أنه ورد في الأحاديث والآثار أن عيسى عليه السلام بشر أمته بمجيء النبي صلى الله عليه وسلّم بعده وأخبرهم بجملة من شريعته يأتي بها تخالف شريعة عيسى، وكذلك وقع لموسى، وداود عليهما السلام، من ذلك ما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة عن وهب بن منبه قال: إن الله لما قرب موسى نجياً قال: رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظراً ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم وكان من

الصفحة 148