كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 150 """"""
والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غر محجلون من آثار الوضوء.
فهذه جملة من أحكام شريعتنا مخالفة لشرع من قبلنا بينها الله لأنبيائه فيما أنزله عليهم من الكتب، وقد وردت الأحاديث والآثار ببيان أكثر من ذلك وتركتها خوف الإطالة، ووردت الآثار أيضاً بأن الله بين لأنبيائه في كتبهم جميع ما هو واقع في هذه الأمة من أحداث وفتن وأخبار خلفائها وملوكها، من ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما يقع نفع، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار: كيف تجد نعتي في التوراة؟ قال: خليفة قرن من حديد أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم ثم يكون من بعدك خليفة تقتله أمة ظالمين له ثم يقع البلاء بعده.
وأخرج ابن عساكر عن عمر بن الخطاب أنه دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في شيء من كتبكم؟ قال نجد صفتكم وأعمالكم، وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن محمد بن الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله، فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟ فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة، وأخرج عبد الله بن أحمد في روايات الزهد عن هشام بن خالد الربعي قال: قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة.
والآثار في هذا المعنى كثيرة جداً وقد سردتها في كتاب المعجزات، وحاصلها القطع بأن الله بين لأنبيائه جميع ما يتعلق بهذه الأمة من أحكام وما يحدث فيها من حوادث وفتن، فعلم الأنبياء ذلك بطريق الوحي من الله من غير احتياج إلى أن يأخذوه باجتهاد أو تقليد هذا ما يتعلق بالطريق الأول وقد اعترض عليّ في هذا الطريق بأنه يلزم عليه أن يكون كل ما في القرآن مضمناً في جميع الكتب السابقة، وأقول: لا مانع من ذلك بل دلت الأدلة على ثبوت هذا اللازم قال تعالى:) وإنه لتنزيل من رب العالمين نزل به الروح الأمين (إلى قوله:) وإنه لفي زبر الأولين (أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله:) وإنه لتنزيل رب العالمين (قال: القرآن، وفي قوله:) وأنه لفي زبر الأولين (قال: أي في كتب الأولين، وأخرج عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية قال: يقول إنه في الكتب التي أنزلها على الأولين.
وأخرج عن مبشر بن عبيد القرشي في قوله:) أولم يكن لهم آية (قال: يقول أولم يكن لهم القرآن آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل، فقد دلت هذه الآية وكلام السلف في تفسيرها على أن المعاني التي تضمنها القرآن موجودة في كتب الله السابقة، وقد نص على هذا بعينه الإمام أبو حنفية حيث استدل بهذه الآية على جواز قراءة القرآن بغير

الصفحة 150