"""""" صفحة رقم 152 """"""
من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثاً وستين من قوله في سورة المنافقين:) ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها (فإنها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده، وقال المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم به ثم رسول الله صلى الله عليه وسلّم خلا ما استأثر به سبحانه ثم روت عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة، ومثل الخلفاء الأربعة، ومثل ابن مسعود، وابن عباس حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله، وقال صلى الله عليه وسلّم: (سيكون فتن قيل وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم) رواه الترمذي. وقال الله تعالى:) وأنزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شيء (وقال تعالى:) ما فرطنا في الكتاب من شيء (وقال صلى الله عليه وسلّم: (إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وأبو الشيخ بن حيان في كتاب العظمة، وقال ابن مسعود: من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين رواه سعيد بن منصور في سننه وقال ابن مسعود أيضاً: أنزل في هذا القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله رواه ابن أبي حاتم وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله رواه ابن أبي حاتم.
فعرف بمجموع ما ذكرناه أن جميع الشريعة منطوية تحت ألفاظ القرآن غير أنه لا ينهض لإدراكها منه إلا صاحب النبوة، قال بعض العلماء: العبارة في القرآن للعامة، والإشارة للخاصة، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء، وعيسى عليه السلام نبي رسول، فيفهم من القرآن ما انطوى عليه ويحكم به وإن خالف الإنجيل، وهذا معنى كونه يحكم بشرع نبينا صلى الله عليه وسلّم، فهذان طريقان كل منهما محتمل في معرفة عيسى صلى الله عليه وسلّم بأحكام هذه الشريعة ومأخذهما قوي في غاية الاتجاه والله أعلم.
الطريق الثالث: ما أشار إليه جماعة من العلماء منهم السبكي وغيره أن عيسى عليه السلام مع بقائه على نبوته معدود في أمة النبي صلى الله عليه وسلّم وداخل في زمرة الصحابة، فإنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلّم وهو حي مؤمناً به ومصدقاً، وكان اجتماعه به مرات في غير ليلة الإسراء من جملتها بمكة، روى ابن عدي في الكامل عن أنس قال: (بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ رأينا برداً ويداً فقلنا: يا رسول الله ما هذا البرد الذي رأينا واليد؟ قال: قد رأيتموه؟ قلنا: نعم قال: ذاك عيسى ابن مريم سلم علي) وأخرج ابن عساكم من طريق آخر عن أنس قال: (كنت أطوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حول الكعبة إذ رأيته صافح شيئاً لا نراه قلنا: يا رسول الله رأيناك صافحت شيئاً ولا نراه قال: ذاك أخي عيسى ابن مريم انتطرته حتى قضى طوافه فسلمت عليه) فحينئذ لا مانع من أن يكون تلقى من النبي صلى الله عليه وسلّم أحكامه المتعلقة بشريعته