"""""" صفحة رقم 156 """"""
القيامة دعي إسرافيل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل فيؤتى بالرسل فيقال: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس فهو قوله تعالى:) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين (وأخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن أبي جبلة بسنده قال: أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل فيقول الله: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب قد بلغت جبريل فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم فيخلى عن إسرافيل فيقول: لجبريل ما صنعت في عهدي؟ فيقول: يا رب بلغت الرسل فيدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم فيخلى عن جبريل الحديث فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء، وعرف بها أيضاً أنه إنما يتلقى الوحي عن الله بواسطة إسرافيل وقد كنا سئلنا عن ذلك منذ أيام.
خاتمة: اشتهر على ألسنة الناس أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا شيء لا أصل له. ومن الدليل على بطلانه ما أخرجه الطبراني في الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت: (قلت يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل) فهذا الحديث يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض ويحضر موتة كل مؤمن حضره الموت وهو على طهارة، ثم وقفت على حديث آخر فيه نزول جبريل إلى الأرض وهو ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن، والطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم في وصف الدجال قال: (فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرمه) ثم رأيت في قوله تعالى:) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم (الآية عن الضحاك أن الروح هنا جبريل وأنه ينزل هو والملائكة في ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك في كل سنة وقد زعم زاعم أن عيسى ابن مريم إذا نزل لا يوحى إليه وحياً حقيقياً بل وحي إلهام وهذا القول ساقط مهمل لأمرين: أحدهما منابذته للحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما تقدم من صحيح مسلم، وغيره، وقد رواه الحاكم في المستدرك ولفظه: (فبيناه كذلك إذ أوحى الله إليه يا عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يد لأحدكم بقتالهم حول عبادي إلى الطور) وقال: صحيح على شرط الشيخين وذلك صريح في أنه وحي حقيقي لا وحي إلهام، والثاني أن ما توهمه هذا الزاعم من تعذر الوحي الحقيقي فاسد لأن عيسى نبي فأي مانع من نزول الوحي إليه، فإن تخيل في نفسه أن عيسى قد ذهب وصف النبوة عنه وانسلخ منه فهذا قول يقارب الكفر لأن النبي لا يذهب عنه وصف النبوة أبداً ولا بعد موته، وإن تخيل اختصاص الوحي للنبي بزمن دون زمن فهو [قول] لا دليل عليه ويبطله ثبوت الدليل على خلافه، وقد ألم السبكي بشيء مما ذكرناه