كتاب الحاوي للفتاوي ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 16 """"""
أحمد من وجه آخر عن ابن عمر قال: (أعطى علي ثلاث خصال: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر)، فهذه أكثر من عشرين حديثاً في الأمر بسد الأبواب وبقيت أحاديث أخر تركتها كراهة الإطالة.
فصل: قال العلماء: لا معارضة بين الأحاديث المذكورة في الفصل الأول من أنه سد الأبواب إلا باب أبي بكر وبين المذكورة في الفصل الثاني من أنه سد الأبواب إلا باب علي فإنهما قصتان إحداهما غير الأخرى، فقصة علي كانت متقدمة وهي في سد الأبواب الشارعة وقد كان أذن لعلي أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصة أبي بكر متأخرة في مرض الوفاة في سد طاقاة كانوا يستقربون الدخول منها وهي الخوخ كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله، وعبارة الكلاباذي لا تعارض بين قصة علي وقصة أبي بكر لأن باب أبي بكر كان من جملة خوخات يطلع منها إلى المسجد وأبواب البيوت خارجة من المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسد تلك الخوخ فلم تبق تطلع منها إلى المسجد وتركت خوخة أبي بكر فقط. وأما باب علي فكان داخل المسجد يخرج منه ويدخل منه.
وقال الحافظ ابن حجر: قصة علي في سد الأبواب، وأما سد الخوخ فالمراد به طاقاة كانت في المسجد يستقربون الدخول منها فأمر النبي صلى الله عليه وسلّم في مرض موته بسدها إلا خوخة أبي بكر، وفي ذلك إشارة إلى استخلاف أبي بكر لأنه يحتاج إلى المسجد كثيراً دون غيره انتهى قلت ويدل على تقدم قصة علي ذكر حمزة قصته فإن حمزة قتل يوم أحد.
فصل: قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة بل المتواترة أنه صلى الله عليه وسلّم منع من فتح باب شارع إلى مسجد ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمه العباس ولا لأبي بكر إلا لعلي لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم منه، ومن فتح خوخة صغيرة أو طاقة أو كوة ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمر إلا لأبي بكر خاصة لمكان الخلافة ولكونه أفضل الناس يداً عنده كما أشار إلى التعليل به في الأحاديث المبدأ بها، وهذه خصيصة لا يشاركه فيها غيره ولا يصح قياس أحد عليه إلى يوم القيامة، فإن عمر استأذن في كوة فلم يؤذن له فمن ذا الذي يقاس عليه؟ وقد منع عمر واستأذن العباس في فتح باب صغير بقدر ما يخرج منه وحده فلم يؤذن له وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمن ذا الذي يباح له ذلك وقد منع منه عمر، والعباس؟ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسند ذلك إلى أمر الله به وأنه لم يسد ما سد ولم يفتح ما فتح إلا بأمره تعالى، ثم إن ذلك كان في مرض الوفاة وفي آخر مجلس جلسه على المنبر، وكان ذلك من جملة ما عهد به إلى أمته ومات عليه ولم ينسخه شيء وتقلد ذلك حملة الشريعة من أمته، فوجب على من علمه أن يبينه عند الحاجة إليه ولا يكتمه، فإن توهم متوهم أو زعم زاعم أن الأمر في ذلك منوط برأي الإمام زد عليه بأن هذا حكم من الأحكام نص رسول الله صلى الله عليه وسلّم على منعه فلا رأي لأحد في إباحته، بل لو وقف رجل من آحاد الناس مسجداً وشرط فيه شيئاً اتبع شرطه فكيف بمسجد وقفه النبي صلى الله عليه وسلّم ونص فيه على المنع من أمر وأسنده إلى

الصفحة 16